تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما النظر الصحيح في كفر تارك الصلاة، فإن من المعلوم أن الصلاة لم يرد في شيء من الأعمال ما ورد فيها من الترغيب فيها، والحث عليها فعلاً ووصفاً، وعقوبة تاركيها، وكيفية فرضيتها، فإن الله تعالى فرض هذه الصلاة بل فرض هذه الصلوات الخمس على نبيه -صلى الله عليه وسلم- في أعلى مكان وصل إليه البشر وفي أفضل ليلة كانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفرضها سبحانه وتعالى بدون واسطة بينه وبين نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وفرضها سبحانه وتعالى على عباده خمسين صلاة في اليوم والليلة، حتى منّ الله بفضله فخففها إلى خمس صلوات بالفعل، وهي خمسون في الميزان، كل هذا يدل على عناية الله بها وأن لها شأناً ليس لغيرها من العبادات، ولهذا اختصت بأن تاركها كافر كفراً مخرجاً عن الملة.

ولا شك أن هذه المسألة خلافية، فإن من أهل العلم من قال: إن تاركها لا يكفر، أي: قال إن تارك الصلاة لا يكفر، ومعلوم أن مرد المؤمنين عند الخلاف: كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لقوله تعالى:

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)،

ولقوله تعالى:

(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).

وإذا رددنا هذا الخلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تبين لنا أن كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كلاهما يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وقد ذكرنا أدلة ذلك.

وأما ما احتج به من قال: بعدم التكفير فإن أدلته لا تخرج عن واحد من أقسام خمسة:

إما أن تكون ضعيفة ليس فيها حجة، لأن الضعيف ساقط لا يحتج به في إثبات الشيء أي في إثبات الحكم، فكيف يحتج به في معارضة أدلة صريحة صحيحة؟!!

وإما ألا يكون فيه دلالة أصلاً، ولا يمكن أن تدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لا من قريب ولا من بعيد، وإن كانت هي صحيحة السند لكن الاستدلال بها ساقط، لعدم دلالتها على المعارضة.

وإما أن تكون مقيدة بحال يعذر فيها من ترك الصلاة، كما في حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم- في قوم اندرس الإسلام عندهم حتى لم يدركوا منه إلا لا إله إلا الله، فهؤلاء معذورون لأنهم لم يعرفوا شيئاً من أحكام الإسلام، فإذا ماتوا على قول لا إله إلا الله مع إسلام قلوبهم لله وظواهرهم لمِا علموا من دين الله، فإن هؤلاء لا يحُكم بكفرهم، بل هم مؤمنون، لكن هذا هو غاية مقدورهم، وقد قال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).

وإما أن تكون الأدلة التي استدلوا بها مقيدة بوصف يمتنع منه غاية الامتناع أن يدع الإنسان الصلوات الخمس، كحديث عتبان بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

(إن الله حرم على النار من قال لا إله الله يبتغي بذلك وجه الله).

ومن المعلوم أن هذا الحديث ليس على إطلاقه، لأننا لو أخذناه على إطلاقه لقلنا: إن كل إنسان عاص مهما بلغت معصيته، محرم على النار، لا يمكن أن يدخلها، إذا كان يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؛ وهذا القول لا يقول به أحد، لأنه ما من إنسان عاصٍ إلا وقد استحق دخول النار بمعصيته التي رُتب عليها دخول النار، لكن إذا لم يكن كافراً كفراً مخرجاً عن الملة، فإنه يخرج من النار بالأسباب التي جعلها الله تعالى سبباً لخروجه من النار، وإذا كان هذا حديث ليس على إطلاقه فإننا نقول: إن وصفه بقوله يبتغي بذلك وجه الله يمنع أن يدع الصلوات الخمس، لأن كل إنسان يقول: لا إله يبتغي بها وجه الله، لا يمكنه أبداً أن يدع الصلوات الخمس، لأن مبتغي الشيء لا بد أن يطلبه، ومن المعلوم أن الطريق الموصل إلى الله من أهمه سلوك هذا الطريق، وهو إقامة الصلاة، وعلى هذا فليس في هذا الحديث دليل على ما ذهبوا إليه، لأنه لا يصح الاستدلال به طرداً ولا عكساً.

القسم الخامس: أن تكون الأحاديث عامة، فتُخصص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة.

فالقول الراجح الذي لا يخفى رجحانه على من تأمل الأدلة، مجرِّداً نفسه عن أي اعتقاد سابق هو: أن ترك الصلاة كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإن كان يعتقد أنها واجبة.

وبناء على ماذكرناه هنا وما ذكرناه سابقاً، فإنه لا يجوز أن يُزوج شخص لا يصلي بامرأة مسلمة، وما أيسر الأمر لهذا الرجل أن يُوفق فيتوب إلى الله، ويتخلص من كفره بإقامة الصلاة، ثم حينئذٍ نزوجه ونقول: إذا أتانا من نرضى دينه وخلقه زوجناه، كما أمرنا بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

خلاصة الأمر أني أقول لهؤلاء الإخوة:

لا تزوجوا هذا الرجل بأختكم، فإن ذلك حرام عليكم، ولو عقدتم النكاح له فإن النكاح باطل لا يصح، لقول الله تعالى في المؤمنات المهاجرات:

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).

حتى وإن غضبت الأم لعدم التزويج، فإنكم إنما أغضبتموها لرضا الله عز وجل، ورضى الله مقدم على رضى غيره، فإن من التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس وجعل سخطهم رضى، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، وإني أقول لهؤلاء الإخوة بل ولغيرهم أيضاً من المستمعين:

إنه لا تجوز طاعة الوالد ولا غير الوالد في معصية الله أبداً))

اهـ من (نور على الدرب) شريط (211).

يتبع ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير