تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد وقعت فيه أبحاثٌ طويلة بين جماعة من علماء اليمن عند أول ظهوره، وبلغت تلك المذاكرة إلى علماء مكة، وكتب ابن حجر الهيتمي في ذلك رسالةً طويلةً، سماها (تحذير الثقات من أكل الكفتة والقات)، ووقفتُ عليها في أيامٍ سابقةٍ، فوجدته تكلَّم فيها كلامَ مَنْ لا يعرف ماهيَّة القات، وبالجملة: إنه إذا كان بعض أنواعه يبلغ حدَّ السُّكْر أو التفتير من الأنواع التي لا نعرفها؛ فتوجُّه الحكم بتحريم ذلك النوع بخصوصه.

وهكذا إذا كان يضر بعض الطباع من دون إسكار وتفتير؛ حَرُمَ لإضراره، وإلا فالأصل الحِلُّ، كما يدلُّ على ذلك عمومات القرآن والسنَّه".

فهذا كلام الإمام شيخ الإسلام الشوكاني - رحمه الله - تضمَّن ثلاثة أمور:

الأمر الأول: انه أكل أنواعًا مختلفة منه؛ فلم يجد لذلك أثرًا في تفتير ولا تخدير ولا تغيير, ومن أجل ذلك حكم أنه على الأصل، وهو الحِلُّ.

الأمر الثاني: أنه إذا كان بعض أنواعه يبلغ حدَّ السُّكْر أو التفتير؛ توجَّه الحكم بتحريم ذلك النوع بخصوصه.

الأمر الثالث: أنه إذا كان يضرٌّ بعض الطِّباع من دون إسكار وتفتير؛ حَرُمَ لإضراره.

فهو كما ترون بنى حِلَّهُ على الأصل، غير أنه احتاط لنفسه؛ فذكر أنه إذا وُجِدَ منه أنواعٌ مُسْكِرَة أو مفتِّرة أو مغيِّرة؛ حرم ذلك النوع, وكذلك إن وُجِدَ منه إضرارٌ؛ حَرُمَ لإضراره.

فهل يسلِّم الجميع أن جميع أنواع القات لا إسكار فيها؟

أقولُ: أما القات المعهود الذي (يخزِّنه الناس) - فما علمنا أنه مسكرٌ، ولكن هناك مَنْ يقول أن منه أنواع تُسْكِر، فإذا ثبت هذا؛ فتلك الأنواع محرَّمة لا شك.

وأما مسالة التخدير أو التَّفْتير؛ فقد صنَّفَت (منظمة الصحة العالمية) القات مع المخدِّرات، وقالت إنه يُحدِث إدمانًا نفسيًّا متوسطًا أو خفيف الشدة، وربما يُحدِث شيئًا بسيطًا من الإدمان الجسدي، وأضيف إلى جدول المخدرات رسميًّا عام 1973م.

ويقول الدكتور محمد عوض باجبير في كتابه "القات والطب": "إن قولنا إن القات مخدِّر، أو دواء له خاصية الإدمان من الناحية العلمية - شيءٌ لا جدال فيه، إذا فهمنا المعنى العلمي للمخدِّر أو الإدمان". أ هـ.

فإذا ثبت ما ذُكِرَ من أن القات مُلْحَقٌ قطعًا بالمخدِّرات، وثبت تأثيره على متعاطيه كذلك، وعلمنا أن المخدرات محرَّمه بالإجماع، لا إجماع المسلمين فقط، ولكن إجماع المسلمين والكافرين كذلك - نتج من ذلك أنَّ القات محرَّمٌ، حتى على قول الشوكاني - رحمه الله.

وهكذا إذا ثبت ضرره، وقد ثبت فعلاً في جوانب مختلفة دينيه وصحية واجتماعية واقتصاديه، إذا ثبت ذلك؛ فإن الشوكاني - رحمه الله - يحرِّمه بذلك، ومن هنا يقول العلامة الشيخ محمد بن سالم البيحاني - رحمه الله - بعد أن أورد شيئأً مما يمكن أن يستدلَّ به المُبيحون للقات قال: "وصواب ما يقول هذا المُدافِع عن القات والتُّنباك، ولكنه مغالطٌ في الأدلة، ومتغافلٌ عن العمومات الدالة على وجوب الاحتفاظ بالمصالح وحرمة الخبائث، والوقوع في شيءٍ من المفاسد، ومعلومٌ من أمر القات أنه يؤثِّر على الصحة البدنية؛ فيحطم الأضراس، ويهيِّج الباسور، ويفسد المعِدَة، ويُضعِف شهيَّة الآكل، ويُدِرُّ السلاس - وهو الوَدِيُّ - وربما أهلك الصُّلْبَ، وأضعف المَنِيَّ، وأظهر الهُزال، وسبَّب القَبْض المزمِن ومرض الكُلَى.

وأولاد صاحب القات - غالبًا - يخرجون ضعاف البَدَنِيَّة، صغار القامة، قليلٌ دَمُهُم، مصابين بعدَّة إمراض خبيثة". انتهى كلام العلامة البيحاني - رحمه الله، وقد يكون فيه شيءٌ من المبالَغة، غير إننا نفهم منه كيف يوجَّه كلام شيخ الإسلام الشوكاني - رحمه الله.

وبعد كلِّ ما تقدَّم؛ فإن الذي يظهر لي - والله أعلم -: إن الاحتياط هو تجنُّب القات، والعمل على ما أفتى به المحرِّمون؛ لما ذكرنا فيه من الأضرار المتعدِّدة، وأن الذين لا يظهر لهم التحريم؛ فإن أقلَّ ما يحب عليهم اعتباره من المشتبِهات، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد نهانا عن الوقوع في المشتبِهات؛ حين قال فيما رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: ((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مُشتبِهاتٌ، لا يعلمُهُنَّ كثيرٌ من الناس؛ فمن اتقَّى الشُّبُهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضه، ومَنْ وقع في الشُّبُهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير