تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن فُقد الإخلاص من العبادة بأن شاركها الرياء، وهو أن يعمل العمل الصالح لله لكن يظهره للناس ليمدحوه على ذلك، فإن العبادة تكون باطلةً مردودة، لأن الإنسان أشرك فيها مع الله عز وجل حيث راءى الناس بها، ومع كونها باطلة مردودة فهو آثم بذلك مشركٌ بالله، إلا أن هذا الشرك شركٌ أصغر ليس مخرجاً من الملة، والشرك وإن كان أصغر فإن الله تعالى لا يغفره، لعموم قول الله تعالى:

(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

وقال بعض العلماء: إن الشرك الأصغر داخلٌ تحت المشيئة، لكن الذي يظهر القول الأول وأنه لا يغفر، لكن صاحبه لا يخلد في النار لأنه شركٌ أصغر.

إذاً لابد في كل عبادة من الإخلاص لله تعالى فيها، فمن أشرك مع الله فيها غيره فإنه يأثم بذلك، وتبطل عبادته.

الأصل الثاني الذي تنبني عليه العبادات: اتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدل لهذا الأصل قوله تبارك وتعالى:

(وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).

وقول الله تبارك وتعالى:

(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم).

وقول الله تبارك وتعالى:

(فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون).

ولا يمكن أن تتم المتابعة والموافقة للرسول عليه الصلاة والسلام إلا إذا وافقت العبادة أو إذا وافق العملُ الشرعَ في أمورٍ ستة:

الأول: السبب.

يعني أن يكون سبب هذه العبادة ثابتٌ بالشرع.

والثاني: الجنس.

بأن يكون جنس هذه العبادة ثابتٌ بالشرع.

والثالث: القدر.

بأن يأتي الإنسان بالعبادة على القدر الذي جاءت به الشريعة.

والرابع: الكيفية.

بأن يأتي الإنسان بالعبادة على الوجه الذي جاءت به الشريعة.

والخامس: الزمان.

بأن يأتي الإنسان بالعبادة في الزمن الذي حدده الشرع لها.

والسادس: المكان.

بأن يأتي الإنسان بالعبادة في المكان الذي حدده الشارع لها.

فإذا اختل واحدٌ من هذه الأمور الستة لم تتحقق المتابعة، وصار هذا من البدع.

فأما الأول وهو: السبب، فإنه لا بد أن يكون السبب الذي بنينا عليه هذه العبادة ثابتاً بالشرع، فإن لم يكن ثابتاً بالشرع، فإن ما بني على ما ليس بثابتٍ شرعاً فإنه ليس بمشروع؛ ومن ذلك ما يحدثه الناس في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، حيث يحدثون احتفالا زعماً منهم أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عُرج به في هذه الليلة- ليلة سبعٍ وعشرين- وهذا لا أصل له في التاريخ، وأيضاً لا أصل له في الشرع، فإن الذي يظهر من التاريخ أن الإسراء والمعراج كان في ربيعٍ الأول.

وأما من الشرع فلا أصل له أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفاءه الراشدين والصحابة أجمعين، لم يرد عنهم أنهم كانوا يحتفلون في الليلة التي عرج فيها برسول الله -صلى الله عليه و على آله وسلم- ومعلومٌ أن الشرع لا يأتي إلا من طريقهم، قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(إنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيرة، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).

فمن أحدث احتفالاً ليلة السابع والعشرين من شهر رجب لهذه المناسبة فإنه بناها على سببٍ لم يثبت شرعاً بل ولم يثبت تاريخياً كما ذكرنا.

الأمر الثاني: أن تكون العبادة موافقة للشرع في الجنس، فإن أتى بعبادة لغير الجنس الذي جاءت به الشريعة، فإن عبادته مردودة عليه ولا تقبل منه؛ مثال ذلك أن يضحي الإنسان بالخيل، بأن يذبح فرساً يوم عيد الأضحى يتقرب به إلى الله عز وجل كما يتقرب بذبح البقرة؛ فإن هذه العبادة لا تقبل منه، ولا تكون أضحية، لأنها من غير الجنس الذي وردت به الشريعة، فإن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم.

الثالث: أن تكون العبادة موافقة للشرع في قدْرها، فإن لم تكن موافقة للشرع في قدرها بأن نقصت أو زادت فإنها لا تقبل؛ وبهذا لو صلى الإنسان صلاة الظهر خمس ركعات لم تقبل منه لأنه زاد على القدر الذي جاءت به الشريعة؛ ولو أنه صلاها ثلاث ركعات لم تقبل منه أيضاً لأنه نقص عن القدر الذي جاءت به الشريعة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير