والجواب عن ذلك: أن يقال: يجمع بينهما بأن المنفي دخول الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة, أما المثبت: فهو أن العمل سبب وليس عوضاً, فالعمل لا شك أنه سبب لدخول الجنة و النجاة من النار, لكنه ليس هو العوض, وليس وحده الذي يدخل به الإنسان الجنة, ولكن فضل الله و رحمته هما السبب في دخول الجنة, وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة و ينجيانه من النار.
(المصدر: شرح رياض الصالحين: م:1:ص:574).
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[08 - 02 - 09, 08:54 ص]ـ
[ quote= عبد الرحمن السبيعي;977844] قال ابن عثيمين رحمه الله:
_ فإن قال قائل: هل يؤثر أخذ المغنم على الثواب الأخروي, لحديث ((مامن غازية أو سرية تغزو فتغنم و تسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم ... ))؟
الجواب: أن أخذ المغنم لا يؤثر على الثواب الأخروي إذا خلصت فيه النية أن تكون كلمة الله هي العليا, لكن قد يكون بعض المجاهدين يُغلّب جانب الغنيمة, فمن هنا ينقص الأجر كثيراً حسب التغليب الذي قام في قلبه, فالحديث يحتاج إلى نظر في سببه, فلربما يكون سببه يدل على أن لهم إرادة في الدنيا.
قال النووي في شرح مسلم
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ غَازِيَة تَغْزُو فِي سَبِيل اللَّه فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَة إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ مِنْ الْآخِرَة، وَيَبْقَى لَهُمْ الثُّلُث، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَة تَمَّ لَهُمْ أَجْرهمْ)
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: (مَا مِنْ غَازِيَة أَوْ سَرِيَّة تَغْزُو فَتَغْنَم وَتَسْلَم إِلَّا كَانُوا قَدْ تعجلوا ثلثي أجورهم وَمَا مِنْ غَازِيَة أَوْ سَرِيَّة تُخْفِق وَتُصَاب إِلَّا تَمَّ أُجُورهمْ)
قَالَ أَهْل اللُّغَة: الْإِخْفَاق: أَنْ يَغْزُوَا فَلَا يَغْنَمُوا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ كُلّ طَالِب حَاجَة إِذَا لَمْ تَحْصُل فَقَدْ أَخْفَقَ، وَمِنْهُ: أَخْفَقَ الصَّائِد، إِذَا لَمْ يَقَع لَهُ صَيْد.
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيث: فَالصَّوَاب الَّذِي لَا يَجُوز غَيْره، أَنَّ الْغُزَاة إِذَا سَلِمُوا أَوْ غَنِمُوا يَكُون أَجْرهمْ أَقَلّ مِنْ أَجْر مَنْ لَمْ يَسْلَم، أَوْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَم، وَأَنَّ الْغَنِيمَة هِيَ فِي مُقَابَلَة جُزْء مِنْ أَجْر غَزْوهمْ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرهمْ الْمُتَرَتَّب عَلَى الْغَزْو، وَتَكُون هَذِهِ الْغَنِيمَة مِنْ جُمْلَة الْأَجْر، وَهَذَا مُوَافِق لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة عَنْ الصَّحَابَة كَقَوْلِهِ: (مِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأْكُل مِنْ أَجْره شَيْئًا وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَته فَهُوَ يَهْدُبُهَا) أَيْ: يَجْتَنِيهَا، فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ ظَاهِر الْحَدِيث، وَلَمْ يَأْتِ حَدِيث صَرِيح صَحِيح يُخَالِف هَذَا، فَتَعَيَّنَ حَمْله عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ اِخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاض مَعْنَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بَعْد حِكَايَته فِي تَفْسِيره أَقْوَالًا فَاسِدَة؛ مِنْهَا: قَوْل: مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَا يَجُوز أَنْ يَنْقُص ثَوَابهمْ بِالْغَنِيمَةِ، كَمَا لَمْ يَنْقُص ثَوَاب أَهْل بَدْر وَهُمْ أَفْضَل الْمُجَاهِدِينَ، وَهِيَ أَفْضَل غَنِيمَة، قَالَ: وَزَعَمَ بَعْض هَؤُلَاءِ أَنَّ أَبَا هَانِئ حُمَيْدَ بْن هَانِئ رَاوِيه مَجْهُول، وَرَجَّحُوا الْحَدِيث السَّابِق، فِي أَنَّ الْمُجَاهِد يَرْجِع بِمَا نَالَ مِنْ أَجْر وَغَنِيمَة، فَرَجَّحُوهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيث لِشُهْرَتِهِ وَشُهْرَة رِجَاله، وَلِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا فِي مُسْلِم خَاصَّة، وَهَذَا الْقَوْل بَاطِل مِنْ أَوْجُه، فَإِنَّهُ لَا تَعَارُض بَيْنه وَبَيْن هَذَا الْحَدِيث الْمَذْكُور، فَإِنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيث السَّابِق رُجُوعه بِمَا نَالَ مِنْ أَجْر وَغَنِيمَة، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الْغَنِيمَة تُنْقِص الْأَجْر أَمْ لَا وَلَا قَالَ: أَجْره كَأَجْرِ مَنْ لَمْ يَغْنَم، فَهُوَ مُطْلَق، وَهَذَا مُقَيَّد، فَوَجَبَ حَمْله عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلهمْ: أَبُو هَانِئ مَجْهُول؛ فَغَلَط فَاحِش، بَلْ هُوَ ثِقَة مَشْهُور، رَوَى عَنْهُ اللَّيْث بْن سَعْد وَحَيْوَة وَابْن وَهْب وَخَلَائِق مِنْ الْأَئِمَّة، وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقه اِحْتِجَاج مُسْلِم بِهِ فِي صَحِيحه.
وَأَمَّا قَوْلهمْ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَلَيْسَ لَازِمًا فِي صِحَّة الْحَدِيث كَوْنه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي أَحَدهمَا.
وَأَمَّا قَوْلهمْ: فِي غَنِيمَة بَدْر، فَلَيْسَ فِي غَنِيمَة بَدْر نَصّ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا لَكَانَ أَجْرهمْ عَلَى قَدْر أَجْرهمْ، وَقَدْ غَنِمُوا فَقَطْ، وَكَوْنهمْ مَغْفُورًا لَهُمْ، مَرَضِيًّا عَنْهُمْ، وَمِنْ أَهْل الْجَنَّة، لَا يَلْزَم أَلَّا تَكُون وَرَاء هَذَا مَرْتَبَة أُخْرَى هِيَ أَفْضَل مِنْهُ، مَعَ أَنَّهُ شَدِيد الْفَضْل عَظِيم الْقَدْر. وَمِنْ الْأَقْوَال الْبَاطِلَة مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ: لَعَلَّ الَّذِي تَعَجَّلَ ثُلُثَيْ أَجْره إِنَّمَا هُوَ فِي غَنِيمَة أُخِذَتْ عَلَى غَيْر وَجْههَا، وَهَذَا غَلَط فَاحِش، إِذْ لَوْ كَانَتْ عَلَى خِلَاف وَجْههَا لَمْ يَكُنْ ثُلُث الْأَجْر، وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الَّتِي أَخْفَقَتْ يَكُون لَهَا أَجْر بِالْأَسَفِ عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ الْغَنِيمَة، فَيُضَاعَف ثَوَابهَا كَمَا يُضَاعَف لِمَنْ أُصِيب فِي مَاله وَأَهْله، وَهَذَا الْقَوْل فَاسِد مُبَايِن لِصَرِيحِ الْحَدِيث، وَزَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْغَزْو وَالْغَنِيمَة مَعًا فَنَقَصَ ثَوَابه، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيف. وَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم.
وهو كلام متين رحمه الله
¥