تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهناك المستشفيات العامَّة، التي كانت تفتح أبوابها لِمُعالَجة الجمهور، وكانت تُقَسَّم إلى قِسْمينِ منفصلينِ بعضهما عن بعض: قسم للذُّكور، وقسم للإناث، وكلُّ قسمٍ فيه قاعات متَعدِّدة، كل واحدة منها لنوع منَ الأمراض، فمنها للأمراض الداخليَّة، ومنها للعيون، ومنها للجراحة، ومنها للكُسُور والتجبير، ومنها للأمراض العقلية، وقسم للأمراض الداخليَّة كان مُقَسَّمًا إلى غرف أيضًا، فغُرف منها للحمِّيَّات، وغرف للإسهال، وغير ذلك، ولكل قسم أطباء عليهم رئيس، فرئيس للأمراض الباطنية، ورئيس للجَرَّاحينَ والمجبرين، ورئيس للكحالين - أي: أطباء العيون - ولكلِّ الأقسام رئيسٌ عام يُسمَّى (ساعور)، وهو لقب لرئيس الأطباء في المستشفى، وكان الأطباء يشتغلون بالنوبة، ولكل طبيب وقت مُعَين يلازم فيه قاعاته التي يعالج فيها المرضى، وفي كلِّ مستشفى عدد منَ الفَرَّاشين منَ الرِّجال والنِّساء والممرضين والمساعدين، ولهم رواتب معلومة وافرة، وفي كل مستشفى صيدلية كانت تسمى (خزانة الشراب)، فيها أنواع الأشربة والمعاجين النَّفسيَّة، والمربيات الفاخرة، وأصناف الأدوية، والعُطُورات الفائقة التي لا توجد إلاَّ فيها، وفيها منَ الآلات الجراحيَّة والأواني الزُّجاجيَّة وغير ذلك، وما لا يوجد إلاَّ في خزائن الملوك.

وكانتِ المستشفيات معاهد طبيَّة أيضًا، ففي كلِّ مستشفى إيوان كبير - قاعة كبيرة - للمحاضرات، يجلس فيه كبير الأطباء ومعه الأطباء والطلاَّب، وبجانبهم الآلات والكُتُب، فيقعد التلاميذ بين يدي مُعَلمهم، بعد أن يَتَفَقَّدوا المرضى وينتهوا من علاجهم، ثم تجري المباحث الطِّبية والمناقشات بين الأستاذ وتلاميذه، والقراءة في الكتب الطبية، وكثيرًا ما كان الأستاذ يصطحب معه تلاميذه إلى داخل المستشفى؛ ليقوم بإجراء الدُّروس العلميَّة لطلابه على المرضى بحضورهم، كما يقع اليوم في المستشفيات الملحقة بكليات الطب؛ قال ابن أبي أصيبعة - وهو ممَّن درس الطب في البيمارستان النوري بدمشق -: "كنت بعدما يفرغ الحكيم مهذب الدين والحكيم عمران من معالجة المرضى المقيمين بالبيمارستان وأنا معهم - أجلس مع الشيخ رضي الدين الرحبي فأعاين كيفية استدلاله على الأمراض، وجملة ما يصفه للمرضى وما يكتب لهم، وأبحث معه في كثير منَ الأمراض ومداواتها".

وكان لا يسمح للطبيب بالانفراد بالمعالَجة حتى يؤدِّي امتحانًا أمام كبير أطباء الدولة، يَتَقَدم إليه برسالة في الفن الذي يريد الحصول على الإجازة في معاناته، وهي من تأليفه أو تأليف أحد كبار علماء الطب، له عليها دراسات وشروح، فيمتحنه فيها، ويسأله عن كل ما يَتَعَلق بما فيها منَ الفن، فإذا أحسن الإجابة أجازه كبير الأطباء بما يسمح له بمُزَاوَلة مهنة الطِّب، وقد اتفق في عام 319هـ/931م في أيام الخليفة المقتدر أنَّ بعض الأطباء أخطأ في علاج رجل فمات، فأمر الخليفة أن يمتحن جميع أطباء بغداد من جديد، فامتحنهم سنان بن ثابت كبير أطباء بغداد، فبلغ عددهم في بغداد وحدها ثمانمائة طبيب ونيفًا وستين طبيبًا، هذا عدا مَن لم يمتحنوا من مشاهير الأطباء، وعدا أطباء الخليفة والوزراء والأمراء.

ولا يفوتنا أن نذكرَ أنه كان يلحق بكل مستشفى مكتبة عامرة بكتب الطب، وغيرها مما يحتاجه الأطباء وتلاميذهم، حتى قالوا: إنه كان في مستشفى ابن طولون بالقاهرة خزانة كُتُب تحتوي على ما يزيد على مائة ألف مجلد في سائر العلوم.

أمَّا نظام الدُّخول إلى المستشفيات، فقد كان مَجَّانًا للجميع، لا فرق بين غني وفقير، وبعيد وقريب، ونابه وخامل، يُفحص المرضى أولاً بالقاعة الخارجية، فمَن كان به مرض خفيف يكتب له العلاج، ويصرف من صيدلية المستشفى، ومَن كانت حالته المرضية تستوجب دخوله المستشفى كان يقيد اسمه، ويدخل إلى الحمام، وتخلع عنه ثيابه فتوضع في مخزن خاص، ثم يُعطَى له سرير مفروش بأثاث جيد، ثم يعطى الدواء الذي يعيّنه الطبيب، والغذاء الموافق لصحته، بالمقدار المفروض له، فإذا أصبح في دور النقاهة أُدخل القاعة المخصصة للناقهين، حتى إذا تم شفاؤه أُعطي بدلة منَ الثياب الجديدة، ومبلغًا منَ المال يكفيه إلى أن يصبحَ قادرًا على العمل، وكانت غُرَف المستشفى نظيفة تجري فيها المياه، وقاعاته مفروشة بأحسن الأثاث، ولكلِّ مستشفى مُفَتِّشون على النظافة، ومراقبون للقيود

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير