يَسْعَى الفَتَى لِأُمُورِ لَيْسَ يُدْرِكُهَا
وَالنَّفْسُ وَاحِدةٌ وَالهَمُّ مُنْتَشِرُ
وَالمَرءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ
لا يَنْتَهِي الْعُمْرُ حَتَّى يَنْتَهِي الأَثَرُ
وأصله من أَثَّرَ مشيُه في الأرض، فإن من مات لا يبقى له أثر ولا يرى لإقدامه في الأرض أثر.
"و الوصل": ضد الهجر. و التواصل: ضد التصارم.
قال ابن الأثير: وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النَسْب والأصهار والعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بَعُدُوا أو أساؤوا، وقطع الرحم ضد ذلك كله. يقال: وصل رحمه يصلها وصلا و صلة، والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر
(رَحِمَهُ) جمعه الأرحام وأما الرحم الذي جاء في الحديث الرحم معلقة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني فالرحم القرابة تجمع بني أب وسيأتي ذكره بالتفصيل
*الشرح الإجمالي للحديث:
هذا الحديث فيه: الحث على صلة الرحم، وهي موجبة لرضا الله تعالى لما يترتب عليها من أجر في الدنيا والآخرة, فهي سبب لطول العمر وبركته , والبَحْبُوحَة في الرزق ورغده , فالله تعالى خالق الأسباب ومسبباتها ,فإذا حدث السبب , وهي صلة الرحم ,ترتب عليها المسبب من طول العمر وسعة في الرزق , فجعل الله تعالى الجزاء من جنس العمل , فكما وصل رحمه , وصل الله عمره , وفتح عليه أبواب الرزق والسعة.
وفيه حث همم الناس على فعل الخيرات والتسابق لجني ثمارها في الدنيا والآخرة.
كما أنه سبحانه عظَّم قدر الأرحام فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1).
*ما يستفاد من الحديث
أولاً _فضل صلة الرحم.
1 - لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة , وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب؛ قال تعالى: ((يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تفعلوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)) (البقرة:215).
2 - صلة الرحم سبب لصلة الله للواصل ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم أما ترضين أن أَصِلَ مَنْ وَصَلَكَ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكَ. قالت: بلى يا رب.قال: فهو لك).
وعن عائشة_ رضي الله عنها_ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم مُعَلَّقَةٌ بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله)
3 - أن صلة الرحم محبة في الأهل , مَثْرَاةٌ في المال , مَنْسَأَةٌ في الأثر
كما في نص الحديث ,وسيأتي بسط الكلام في ذلك.
ثانياً- عقوبات قطع الرحم.
1 - أن الله تبارك وتعالى قرن قطع الأرحام بالفساد في الأرض وجعله منه؛ قال سبحانه وتعالى: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)) (محمد:23). والفساد في الأرض مما جاءت كل الشرائع بالنهي عنه , ومما استقر في النفوس السليمة النفور منه والابتعاد عنه.
2 - أن قاطع الرحم لا يدخل الجنة: ففي الحديث المتفق عليه عن جبير بن مطعم _رضي الله عنه _ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: (لا يدخل الجنة قاطع). وعند مسلم قال: ابن أبي عمر قال: سفيان يعني قاطع رحم.
3 – أن قطع الرحم سبب لرد الأعمال على صاحبها؛ عن أبي هريرة _رضي الله عنه _ قال سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ قال: "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم".
4 - إن قطع الأرحام من الذنوب التي تعجل عقوبتها في الدنيا؛ فعن أبي بكرة _رضي الله عنه_ قال قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ".
¥