المطلب الثاني: التعريف بالأرحام.
مَنْ هُمْ الأرحام الذين تجب صلتهم؟
اختلف أهل العلم في ذلك على عدة أقوال:
القول الأول:"هم كل ذي رحم مَحْرَم ومُحَرَّم، وهو من لا يحل نكاحُهُ، كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة , وهم الأقارب، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب
فيخرج من ذلك بناتُ العمِّ والعمةِ والخالِ والخالةِ.
واستدل أصحاب هذا القول بأن الشارع حرَّم الجمعَ بين المرأة وعمتها , والمرأة وخالتها؛ عن ابن عباس_رضي الله عنه_ نهى رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال "إنكن إن فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن". ولو كانت بنت العم أو العمة أو بنت الخال أو الخالة من الأرحام ما وافق الشرع على الجمع بين المرأة وابنة عمتها أو ابنة خالتها أو ابنة خالتها.
وقاعدته وضابطة:انه لو فرضنا أحدهما ذكرا والأخر أنثى لم يصح زوجهما؟
القول الثاني: الأرحام هم القرابة الذين يتوارثون , وعلى هذا يخرج الأخوال والخالات, أي أن الأخوال والخالات على هذا القول لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم.
وهذا القول كما يبدوا غير صحيح لان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخالة بمنزلة الأم".
القول الثالث: "هم الأقارب الذين لا فرض لهم ولا تعصيب وهم أحد عشر حيزا ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وولد الإخوة من الأم والعمات من جميع الجهات والعم من الأم والأخوال والخالات وبنات الأعمام والجد أبو الأم وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد
فهؤلاء ومن أدلى بهم يسمون ذوي الأرحام
.ذوو الأرحام الذين ينبغي معرفتهم وصلتهم كثر هم الذين ورد ذكرهم في القول الثالث ,واخص منهم الذين تجب صلتهم وهم الذين ورد ذكرهم في القول الأول.
*كيفية صلة الرحم وأنواعها.
تتنوع كيفية صلة الرحم " قال القاضي عياض -رحمة الله -: لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها معصية كبيرة، والأحاديث تشهد لهذا، ولكن للصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب. ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يسم واصلاً"
وعليه فصلة الرحم تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فبعضهم تجب صلته كل يوم وهم الذين تجب فيهم النفقة , وبعضهم كل أسبوع ,وبعضهم كل شهر وبعضهم في المناسبات وهكذا؛ وتختلف كيفية صلتهم فمنهم بالمال , ومنهم بالمكالمة هاتفياً , ومنهم بالسلام والسؤال , ونحو ذلك؛ والعرف مُحَكَّمٌ في مثل هذا والواجب -والله أعلم- أن لا يصل إلى حد يسمى معه هاجرا لأقاربه أو قاطعا لرحمه عرفًا.
وهذا ما قاله صاحب العمدة حيث قال: " ووصل الرحم تشريك ذوي القربى في الخيرات، وهو قد يكون بالمال وبالخدمة وبالزيارة ونحوها
المطلب الثالث:
بعض المسائل العقدية المستفادة من الحديث:
1) مسألة: أن الله تعالى هو من يرزق عباده , وهو المقدر أرزاق عباده ,و مقسم الأرزاق , فيعطي هذا ويبسط له , ويعطى الأخر دون ذلك , ويحرم آخر لحكمة هو يعلمها ويجهلها كثير من الناس {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. [(23) سورة الأنبياء].
: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}. [(6) سورة هود]
2) مسألة: أن الرزق لا يُطلب إلا من الله، ولا يُسأل غيره، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فالله يذم من يطلب الرزق من غيره الذي ليس له حول ولا قوة قال سبحانه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. (17) سورة العنكبوت
3) مسألة: التوفيق والخذلان.
فمن أراد الله به خير أعانه على فعل الطاعات , ويسر له كل خير , وصرف عنه كل شر, ومن أراد به سوءا أوكله إلى نفسه , وسلب منه الإعانة فأصبح مذموما مخذولا.
¥