"أن تكون هذه الزيادة في المكتوب، والمكتوب غير المعلوم , فما علمه الله تعالى من نهاية العمر لا يتغير , وما كتبه قد يمحى ويثبت , وقد كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: إن كنت كتبتني شقيا فامحني. وما قال: إن كنت علمتني , لأن ما علم وقوعه لابد أن يقع. ويبقى على هذا الجواب إشكال: وهو أن يقال: إذا كان المحتوم واقعا , فما الذي أفادت زيادة المكتوب ونقصانه؟
فالجواب: أن المعاملات على الظاهر، والمعلوم الباطن خفي لا يعلق عليه حكم , فيجوز أن يكون المكتوب يزيد وينقص ويمحى ويثبت ليبلغ ذلك على لسان الشرع إلى الآدمي، فيعلم فضيلة البر وسوء العقوق."
وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكَّل بالعمر والذي في الآية بالنسبة إلى علم الله؛كأن يقال للملك: مثلا إن عُمْرَ فلان مائة إن وصل رحمه وإن قطعها فستون وقد سبق في علمه أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر والذي في علم المَلَك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فالمحو والإثبات بالنسبة إلى ما في علم المَلَك , وأما الذي في علم الله فلا محو فيه البتة ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق
"والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعا محتوما وهو الثابت ومنه ما يكون مصروفا بأسباب وهو الممحو والله أعلم"
قال ابن تيمية _رحمة الله_:الرزق نوعان
(أحدهما) ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير.
(والثاني) ما كتبه وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقا وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك كما ثبت في الصحيح عن النبي _صلى الله علية وسلم_ أنه قال: " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " وكذلك عُمْرُ داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين , ومن هذا الباب قول عمر: "اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت"
ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح _عليه السلام {يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} نوح4وشواهده كثيرة والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدونه , وما قدره له بغير اكتساب كموت مُوَرِّثِهِ يأتيه به بغير اكتساب؛ والسعي: سَعْيَانِ سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزراعة والتجارة , وسعى بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ونحو ذلك فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
*إشكال وبيانه:
فان قيل بذلك تجوزون على الله تعالى البداء؟!
قيل: لا يجوز على الله تعالى البداء فالله يعلم ما سيكون وعنده علم الغيب وأخفى.
" وإنما معناه أن الله عز وجل لم يزل يعلم أن زيدا سيصل رحمه وأن ذلك سبب إلى أن يبلغ من العمر كذا وكذا , لأن من علم الله تعالى أن سيعمره كذا وكذا من الدهر فإنه تعالى قد علم وقدر أنه سيتغذى بالطعام والشراب ويتنفس بالهواء ويسلم من الآفات القاتلة تلك المدة التي لا بد من استيفائها والمسبب والسبب كل ذلك قد سبق في علم الله عز وجل كما هو لا يبدل قال تعالى (ما يبدل القول لدي) ولو كان على غير هذا لوجب البَدَاء ضرورة ولكان غير عليم بما يكون متشككا فيه يكون أم لا يكون جاهلا به جملة وهذه صفة المخلوقين لا صفة الخالق وبهذا كفر من قال به , وهم لا يقولون بهذا "
القول الثاني: أن هذه الزيادة بالبركة في العمر بسبب التوفيق في الطاعات وصيانته عن الضياع وحاصله أنها بحسب الكيف لا الكم
"أن زيادة الأجل تكون بالبركة فيه وتوفيق صاحبه لفعل الخير وبلوغ الأغراض، فينال في قصير العمر ما يناله غيره في طويله"
و"قال المهلب:. معنى البسط في رزقه هو البركة؛ لأن صلته أقاربه صدقة، والصدقة تُربى المال وتزيد فيه، فينمو بها ويزكو.
¥