تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حيث قال لآدم عندما لقيه: (أنت آدم الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم) (129) , والشقاء ثابت حتى للأنبياء عليهم السلام سواء في دعوتهم أو موتهم أو بعثهم يوم الحشر و النشور و إنما الخروج من الجنة فيه خير من جهة المآلات التي سيصير إليها كل فرد و رفع الدرجات و تمييز الناس فقد قال صلى الله عليه و سلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض فإذا سالتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة فوقه عرش الرحمن) (130).و قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل: (أما عن حكمة الله في خلق إبليس وجنوده ففي ذلك من الحكم مالا يحيط بتفصيله إلا الله فمنها أن يكمل لأنبيائه وأوليائه مراتب العبودية بمجاهدة عدو الله وحزبه ومخالفته ومراغمته في الله وإغاظته وإغاظة أوليائه والاستعاذة به منه والإلجاء إليه أن يعيذهم من شره وكيده فيترتب لهم على ذلك من المصالح الدنيوية والأخروية ما لم يحصل بدونه وقدمنا أن الموقوف على الشيء لا يحصل بدونه ومنها خوف الملائكة والمؤمنين من ذنبهم بعد ما شاهدوا من حال إبليس ما شاهدوه وسقوطه من المرتبة الملكية إلى المنزلة الإبليسية يكون أقوى وأتم ولا ريب أن الملائكة لما شاهدوا ذلك حصلت لهم عبودية أخرى للرب تعالى وخضوع آخر وخوف آخر كما هو المشاهد من حال عبيد الملك إذا رأوه قد أهان أحدهم الإهانة التي بلغت منه كل مبلغ وهم يشاهدونه فلا ريب أن خوفهم وحذرهم يكون أشد ومنها أنه سبحانه جعله عبرة لمن خالف أمره وتكبر عن طاعته وأصر على معصيته كما جعل ذنب أبي البشر عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصى أمره ثم تاب وندم ورجع إلى ربه فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب وجعل هذا الأب عبرة لمن أصر وأقام على ذنبه وهذا الأب عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه فلله كم في ضمن ذلك من الحكم الباهرة والآيات الظاهرة). كذلك , فإن الله عز و جل عندما تكلم عن الشقاء في الأرض تكلم عنه من جهة آدم فهو بلا شك شقاء و يكفي من ذلك الموت الذي لم يسلم من سكراته حتى النبي صلى الله عليه و سلم , فالله سبحانه يخاطب آدم من جهة نفسه أنه إن نزل إلى الأرض فقد شقي بالمكابدة ولهذا يقول تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) (131) و أما الله عز و جل من جهة نفسه المقدسة فهو يحب أن تقوم له أنواع من العبودية كالجهاد و الصيام و الإنفاق ولكنه لم يأمر بهذا و لم يطلبه و لم يقل بأنه يحب أن يتعرض آدم لهذه التكليفات و لم يندب إلى القصد إلى أسباب وقوعها بل أمر آدم أن لا يخرج من الجنة و هو سبحانه يعلم بأن كل تلك الأشياء إنما هي مترتبة على خروج آدم و مع هذا فقد جعل " إرادته الشرعية " الموافقة لمحبته , بدليل أنه أمر بها , أن لا يخرج آدم من الجنة. و قد يقال بأن الاستخلاف في الأرض من جنس الكفارات و هذا صحيح في معناه لأن الاستخلاف ليس مقصودا لذاته و ما كان الله عز و جل ليشرع حد الزنا لكي يقصد الناس الزنا فيقام عليهم الحد فتكون تلك الإقامة للحد مقصودة لذاتها مع أنها محبوبة عند الله إلا أنه ما شرعها لتقصد و تطلب فهي محبوبة أداءا و ليس قصداً و طلباً , وكذلك الحال في الاستخلاف في الأرض فهو محبوب أداءً بحيث يصبر آدم و ذريته على ذلك و يمارسون العبودية لله بالصبر على قدره القاهر و شرعه الآمر و ما كان ينبغي لآدم عليه السلام أن يقصد طلب الاستخلاف في الأرض لأنه كان منهياً عن الخروج من الجنة! , بل لو أن آدم عليه السلام طلب ذلك بفعله و قصده لكان عاصياً لله , وهذا واضح.

2 - أن الله عز وجل خلق آدم ليبتليه و هي غاية شرعية محبوبة من الله و هذا الابتلاء كان متحققاً في الجنة حيث نهاه ربه عن الأكل من الشجرة و كان الشيطان يوسوس له بالأكل منها فكان الابتلاء قائماً حتى قبل النزول إلى الأرض و لهذا قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (132) , و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: (يا أبا بكر لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس) (133) وقال: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) (134)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير