تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: أن القاعدة في نصوص الشريعة: ترك الحكم على الناس إلا إذا أظهروا ما في ضمائرهم بقول أو عمل. قال رسول الله صلى ا لله عليه وسلم لأسامة بن زيد: (أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟، قال: يارسول الله!، إنما قالها خوفا من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها أم لا؟).

وقصر حكم الآيات على الاعتقاد إبطال لهذه القاعدة، فكيف يحكم على بواطنهم، ولم يصدر منهم فعل كفري؟!. بل الملائم أنه حكم على عمل هو كفر ظاهر، صدر منهم: دل على كفر الباطن.

ثالثا: أن آيات الولاء والبراء كافة: إما أنها تدل على كفر فاعلها، أو لا تدل.

فإن دلت، فقد دلت على: أن النصرة عمل ظاهر، وأنه كفر. لأن ما ورد فيها إنما هي أعمال ظاهرة (= لا تتخذوا، يسارعون، يرتدد، ترى)، وجاء وصفها بالكفر صريحا.

إن لم تدل، فلن تدل حتى على: أن محبة الكافر لدينه كفر. فهل يقول بهذا أحد؟!.

فإن جرى العناد، فادعى المدعي: أن كفر الموالي بباطنه (=محبة لدين الكافرين) إنما عرف من أدلة أخرى خارجة عن آيات الولاء، كدليل عقلي، فذلك يعني: أن آيات الولاء كافة لا تدل على: كفر المحب لدين الكافرين، المبغض لدين المؤمنين. هذا مع كثرتها، وشدة وعيدها، وحكمها: أن متولي الكافرين هو منهم، وعمله حابط، وخاسر، ومرتد، وليس بمؤمن، وليس من الله في شيء. حتى احتاجت إلى دليل آخر ربما كان عقليا.!!. فهل يصح هذا عند من له فقه ونظر؟!!.

فهذه الأوجه دلت على: أن الولاء للكافرين بالظاهر (= النصرة) كفر عملي. كما أنه كفر عقدي؛ لأن كل كفر عملي فلا بد له من اعتقاد، هو أصله، وجذره، وباعثه.

فهذا من جهة دلالة النص، أما العقل:

فإن الولاء: محبة، ونصرة. والمحبة لدين الكفار نقيض المحبة لدين الله تعالى، فلا يجتمعان، كما لا يرتفعان. فالموالي يحب دين الكفار، فيكون كفره من هذه الجهة اعتقادي. ثم يَرْشح هذا الاعتقاد عن كفر عملي ظاهر، يظهر في صورة نصرة، فهذا هو الأصل، ثم الاستثناء أن يتخلف هذا التلازم لعائق يعوق.

فمن أحب دين الكفار فلا بد أن ينصرهم، فإن لم يفعل فلمانع، خوف كحال المنافقين.

ومن نصر الكافرين على المؤمنين بغير حق، فلا بد أنه يحبهم لدينهم، فإن لم يحبهم مع نصرته لهم، فلمانع من: جهل، أو إكراه، أو تأويل.

وبهذا يظهر: أن النصرة من الكفر العملي. والأصل أن يكون له باطن هو المحبة، والاستثناء ألا يكون له باطن، فهو خلاف الأصل، وله سبب.

* * *

لكن قد يرد سؤال هنا على التقرير الآنف يقال فيه: لم ترك الحكم بالردة على هؤلاء الموالين للكافرين بالنصرة، ما دام أنه كفر عملي، وقد ظهر منهم؟.

لذلك أجوبة:

الأول: أن هذا كان حال جمع المنافقين، وهم غير قليل*، وإقامة حد الردة عليهم، يعني قتل كثير من الذين مع المسلمين، وهذا ليس من مصلحة الدعوة، وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم قتل عبد الله بن أبي مع ظهور كفره، في وصفه للنبي صلى الله عليه وسلم بالأذل، ومنع حتى ولده من قتله، وعلل ذلك بقوله: (لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه). فهذا في واحد منهم، فكيف بهم جميعا؟.

الثاني: أنهم كانوا يتعللون بعلل تدفع عنهم الكفر الصريح، مثل أنهم يخشون على أنفسهم الموت والقتل؛ أي يجعلون من أنفسهم كحال المكره والمضطر، فيقبل منهم ظواهرهم، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى.

لكن كل هذا لا يمنع من كون العمل كفرا لذاته (= عملي)، فعدم إيقاع الحكم به على فاعليه، لا يجعل منه ذنبا دون الكفر، بل هذا دليل على التفريق بين الفعل والفاعل، وأن الحكم على الفعل بكفر لا يلزم منه الحكم على الفاعل به، إلا بشروط معروفة، كما هي القاعدة المعروفة.

* * *

2 - علاقة النصرة بالمحبة.

قد يقال: نعم هو كفر، لكن بشرط الاعتقاد، فلا تكون النصرة كفرا إلا إذا كانت عن محبة لدين الكافرين، أما إذا كانت لمجرد الدنيا فكبيرة.

فيقال: هو كذلك. وهذا أساس القضية المشكلة، في إطلاق وصف الكفر على بعض الذنوب العملية، والذي لم يفطن إليه بعض من عارض تسمية الذنوب العملية كفرا، حيث اعتقد أن القول بوجود كفر عملي: يعني وجود كفر عملي مجرد من اعتقاد باطن. وليس الأمر كذلك .. !!.

فلا يوجد كفر إلا وله ظاهر وباطن، فهذا الظاهر:

- إما أن يكون كاشفا عن باطن، لم يظهر إلا بهذا العمل الظاهر.

- أو يكون محدثا متسببا لكفر طارئ على الباطن، لم يوجد من قبل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير