تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما تصور كفر عملي مجرد من أي اعتقاد باطن، لا سابقا، ولا لاحقا: فباطل، ومحال في الواقع؛ لأن الإنسان وحدة متكاملة، منسجمة ظاهره مع باطنه، وباطنه مع ظاهره، هذه هي القاعدة، وكل قاعدة لها استثناء، والاستثناء لا حكم له.

* * *

وقد يرد سؤال هنا: أنه إذا كان الكفر الظاهر له أساس من الباطن، والباطن له ثمر ظاهر، فلم هما نوعان، وما أساس التفريق بينهما؟.

فيقال: الفرق من جهتين: من جهة الأصل، ومن جهة الثمرة.

فأما من جهة الأصل:

- فالكفر الاعتقادي (= الباطن) معناه: الكفر الذي أصله ومحله القلب، فهو خفي في أصله، ثم قد يظهر على الجوارح بحسب القدرة، فيكون جليا حينئذ يعرف، وقد لا يظهر لمانع من خوف ونحوه، فيكون حينئذ خفيا، كما هو، لا يعرفه إلا المطلع على السرائر، ومثاله: كراهية دين الله تعالى.

- وأما الكفر العملي (= الظاهر) فمعناه: الكفر الذي أصله ومحله الجوارح، فهو جلي في أصله، ثم إنه يكشف عما في القلب من كفر ولا بد، ومثاله: سب الله تعالى، أو إهانة كتابه تعالى.

وأما من جهة الثمرة:

- فالكفر الاعتقادي (= الباطن) لا سبيل إلى معرفته، إلا بقول أو فعل، ومن ثم فلا سبيل للمؤاخذة به، لا مساءلة، ولا عقوبة، كالمضمر كراهية دين الله تعالى، دون إظهار.

- والكفر العملي (= الظاهر) فسبيل معرفته حاصل بما يظهر، ومن ثم السبيل للمؤاخذة به حاصل، وذلك بإقامة الحجة أولاً، ثم العقوبة إذا ثبت الكفر في حق المعين، كحال الساب لله تعالى، أو المهين لكتابه، وكذا: نصرة الكافر على المسلم.

* * *

3 - حقيقة الولاء والبراء ما كان للدين.

ما يظهر من المسلم تجاه الكافر من فعل على قسمين:

الأول: لأجل دينه. وهذا هو الولاء بالمحبة والنصرة، أو البراء بالبغض وترك النصرة. فحكمه بين الإيمان والكفر. من والاهم فقد كفر، ومن تبرأ منهم فهو المؤمن.

والثاني: لغير الدين. مثل: المحبة للدنيا، والبر والقسط، والنكاح، والأكل من طعام الكتابي، ومجالستهم، ومعاملتهم بالتبايع، والعهود، والحلف ونحو ذلك.

فهذا الثاني في أصله مباح، بشرط ألا يضر بالدين بارتكاب محرم، فإن فقد الشرط فعلى نوعين:

- إما كفر أكبر. إذا وقعت هذه الأمور لأجل دينهم، فيكون بذلك ولاء للكافرين.

- وإما دون الكفر، إذا وقف عند حد الدنيا.

فكل هذه الأمور - التي هي لغير الدين - دلت على جوازها نصوص الوحي، فلم تنه عنها، ولم تجعلها من معاني الولا، كقوله: {إنك لا تهدي من أحببت}. [القصص56]

فدل ذلك: على خروجها عن حد الولاء في الاصطلاح الشرعي، القاصر على الولاء للدين.

- فهي في أصلها مباحة كأكل طعام الكتابي، والزواج بكتابية.

- وبعضها مستحب كالبر والقسط والإحسان إلى الضعفاء منهم.

- فإن صحبها منكر فهو محرم، بحسب نوع المنكر ومحله؛ إن كان محبة لدينهم فعل ذلك فهو كفر أكبر، وإن كان محبة للدنيا فليس بكفر.

فمجرد البر والقسط والإحسان لا يدخل في المعنى الشرعي للولاء، كغيره من الأحوال الآنفة الذكر؛ إذ هذا مختص بالمحبة والنصرة للدين.

كذلك مجرد العداوة والخصومة لا يدخل في المعنى الشرعي للبراء؛ إذ هذا مختص بالبغض والعداوة في الدين. فقد قال الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} [الممتحنة 8 - 9].

فأمر بالبر والقسط بالكافر غير المحارب، لكن لم يجعله من الولاء، فلم يسمه به. فلما ذكر المحاربين نهى عن توليهم، وسماه باسمه "الولاء"، فدل هذا على: أن البر والقسط ليس من الولاء.

ثم إنه نهى عن العداوة والخصومة والقتال بين المؤمنين، ولم يسمه براء، في نصوص كثيرة، لكنه سماه كذلك في حق الكافرين المحاربين:

- {فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه} [التوبة 114].

- {إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله .. } [الممتحنة 4].

إذن هما مصطلحان خالصان لا يشتبه بهما ما ليس منهما، فالمعنى محدد بالمحبة والنصرة للدين، وبغض وحرب للدين. فمحبة لغير ذلك، ونصرة لغير ذلك .. وبغض وحرب لغير ذلك .. لا يدخل فيهما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير