قَالَ: وَقَدْ رَدَّ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِمَا عَلَى مَنْ قَالَ بِهِمَا بِطَرِيقٍ مِنْ الرَّدِّ النَّظَرِيِّ وَهُوَ خَطَأ مِنْهُ، فَإِنَّ الْقَائِل بِالْمَسْأَلَتَيْن كَافِرٌ شَرْعاً، لِجَعْلِهِ الشَّكّ فِي اللَّه وَاجِباً، وَمُعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ كُفَّاراً، حَتَّى يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامه السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهَذَا مَعْلُوم الْفَسَاد مِنْ الدِّين بِالضَّرُورَةِ، وَإلا؛ فلا يُوجَد فِي الشَّرْعِيَّات ضَرُورِيٌّ!.
وقال البيهقي في كتاب «الاعتقاد»: " سلك بعض أئمتنَا في إثبات الصَّانِعِ وحدوث العالم طريقَ الاستدلال بمُعجِزَاتِ الرِّسَالةِ؛ لأن دلائِلَها مأخوذَةٌ مِنَ طَريقِ الحِسِّ لمن شاهَدَهَا، ومن طريق استفاضَةِ الخبر لمَنْ غابَ عَنْهَا، فلما ثَبَتتِ النُّبوَّةُ صارت أصلاً في وجوب قَبُول ما دعَا إليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا الوَجْهِ كانَ إيمَانُا الذين استجابوا للرسل ".
ثم ذكر قصةَ النَّجاشيِّ وقولَ جعفرَ بنِ أبي طالبٍ له: " بعث الله إلينا رسُولاً نعرفُ صدقَهُ، فدعانا إلى الله، وتَلا علينَا تنزيلاً مِنَ اللهِ لا يشبهِهُ شيءٌ غيرُه، فصَدَّقنَاه، وعرَفْنَا أن الذي جاء به الحقُّ .. الحديث بطوله، أخرجه ابن خزيمة في كتاب الزكاة من «صحيحه» من رواية ابن إسحاق، وحاله معروف، وحديثه في درجة الحسن.
ثم قال البيهقيُّ: " فاستدَلُّوا بإعجاز القرآن على صدق النَّبِيِّ صلى الله عليه وسَلَّمَ، فآمنوا بما جاء به من إثبات الصانع ووحدانيَّته وحدوث العالَم وغير ذلك مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن وغيرِه، واكتفاءُ غالب من أسلمَ بذلكَ مشهورٌ في الأخبار، فوجب تصديقُهُ في كلِّ شيءٍ ثبت عنه بطريقِ السمعِ، ولا يكونُ ذلك تقلِيدَاً، بل هو اتِّبَاعٌ ". ا. هـ المراد من كلام الحافظ بلفظه.
قلت: قد وقفتُ على كلام البيهقي في كتابه المذكورِ.
قوله: " وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ الأَئِمَّةِ بِأَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يَخُوضُوا فِي الْجَوْهَر وَالْعَرَض .. إلخ ": لعلَّه يريدُ بذلكَ البعضَ الإمامَ أبا الوفاء عليَ بن عُقيل الحنبليَّ المتوفى سنة ثلاث عشرةَ وخمسمائة، رحمه الله تعالى، فقد ذكر ابن رجبٍ في ترجمته في الجزء الأول من «طبقات الحنابلة» عنه أنه قال: " أنا أقطَعُ أنَّ الصحابةَ ماتُوا وما عرفُوا الجوهرَ والعرضَ، فإن رضيتَ أن تكونَ مثلَهُم فكن، وإن رأيت أن طريقةَ المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت " ا. هـ. والعلم عند الله تعالى.
وفي «شرح النُّقَاية» للسُّيوطِيِّ في الكلام على الحديث الحسن مانصُّه: " وأعلاه ما قيل بصحته، كرواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه، ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر " ا. هـ منه بلفظه.
ولقد أجاد العلامة أبو الكرم خميسُ بن عليِّ بن احمدَ الواسطيُّ المتوفى سنةَ عشْرٍ وخمسمائة، رحمه الله تعالى، حيث يقُولُ:
تركت مقالات الكلام جميعها
لمبتدع يهذي بهنَّ إلى الردى
ولازمتُ أصحابَ الحديثِ لأنهم
دُعاةٌ إلى سبل المكارم والهُدَى
وهل تركَ الإنسانُ في الدين غايةً
إذا قالَ قلَّدت النبي محمَّداً؟!
صلواتُ الله وسلامُه عَليه.
ولأبي مزاحم الخاقانِيِّ:
أهلُ الكلام وأهلُ الرَّأيِ قد عدِمُوا
علمَ الحديثِ الذي ينجو به الرَّجلُ
لوأنهم عَرَفُوا الآثار ما انحرفُوا
عَنْهَا إلى غَيرِها لكنَّهُم جَهِلُوا
وقال ابن كثير في الجزء الأول من «تفسيره» في الكلام على خاتمة آية الكرسي ما نصُّهُ: " وهذهِ الآياتُ ومَا في معنَاهَا من الأحاديثِ الصِّحَاحِ؛ الأجودُ فِيهَا طريقَةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ إمرارُهَا كمَا جاءت من غَير تكييف ولا تشْبيهٍ" ا. هـ كلامه بلفظه.
¥