ومن الأحاديث الدالّة على ختم النبوّة، حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (إني عند الله مكتوب: خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته) رواه الحاكم وابن حبان والترمذي، ورواه أحمد والبزار والطبراني بنحوه.
وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم انقطاع النبوة بين الناس، في الحديث الذي رواه أبو هريرةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) رواه البخاري، وهذا صريح في انقطاع الوحي وتمام النبوة.
وروى الترمذي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي ولا نبي، قال: فشق ذلك على الناس، فقال: لكن المبشرات قالوا يا رسول الله وما المبشرات؟ قال رؤيا المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة)، وهذا بيان كاف شاف من النبي عليه الصلاة والسلام أنه هو من ختم به أمر النبوة، بحيث لا يرسل الله بعده رسولا ولا يبعث نبيا.
كما أنّ ختم النبوّة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم التي فُضّل بها على إخوانه من الأنبياء والرّسل، كما جاء في الحديث: (فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ،أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) رواه البخاري، وهو يطابق معنى الآية ويزيد عليها بيان أنه صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة فلزم الناس كلهم اتباعه والإيمان به , فلا يكون بعده نبي ولا رسول، وذلك لانتفاء الحاجة إلى مبعث نبيّ جديد، حيث وجد في أمته - صلى الله عليه وسلم - من يحمل رسالته , فينشرها في العالمين.
ويشير إلى هذا المعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟، قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ – أي يجب الوفاء ببيعة الأوّل - فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ) متفق عليه، فبين عليه الصلاة والسلام أن شأن بني إسرائيل كان مستقيما باتباعهم أنبيائهم، وأنه لن يخلفه نبي، وإنما سيكون خلفاء.
وفي تسمية النبي – صلى الله عليه وسلم – لنفسه بالـ (العاقب) دلالة على ختم النبوّة والرسالة، فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: (أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ) رواه مسلم وأحمد والترمذي , ومعنى العاقب: الذي يعقب كل الأنبياء ولا يعقبه نبي، ولو كان بعده نبي لسمي عاقبا دون (ال) التعريف.
وفي غزوة تبوك قال النبي لعلي رضي الله عنه بيانا لمنزلته: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي) متفق عليه.
وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذّابين الذين يأتون فيدعوا النبوة، وذلك في الحديث الذي يرويه ثوبان رضي لله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، و أنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله)، رواه مسلم.
وفيه بيانُ أن الحق باقٍ في هذه الأمّة مهما تطاول الزمن وظهرت الفتن , وفي قوله: (فأنا خاتم النبيّين) قطع للطريق على هؤلاء الأفّاكين وإغلاقٌ لهذا الباب بالنصّ الصريح الواضح.
¥