والحاصل أن لفظ ختم تعني الطبع والإنتهاء , وأننا نقطع بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بعده نبي جديد , وأن عيسى عليه السلام نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم. ومن يثبتُ خلاف ذلك من أهل البدع، فإنه يبحث عن ما يقوي بدعته بأي طريقة، فيأخذ الموضوع ويترك الصحيح من الأخبار , ويقتطع أجزاء النصوص ويتمسك بها ويترك ما قبلها وما بعدها، ويكفينا إجماع المسلمين على ختم النبوة بمحمد – صلى الله عليه وسلم -، وبعد هذا لا يكون لأحد أن يخرج عن إجماع المسلمين في دين كفل الله بحفظه إلى يوم القيامة.
ـ[مجدي أبو عيشة]ــــــــ[15 - 07 - 08, 11:13 ص]ـ
أدلة ختم النبوة:
لوضوح قضيّة ختم النّبوّة عند الصحابة، لم يتردّدوا لحظة في تكذيب كلّ من ادّعى النبوّة، سواء في ذلك من عاش في عصر النبي عليه الصلاة و السلام – كمثل مسيلمة الكذّاب والأسود العنسي - أو جاء بعد – كسجاح وطليحة الأسدي والمختار الثقفي-.
ولذلك نجد أن ابن الزبير رضي الله عنه عندما قيل له إن المختار الثقفي ادّعى نزول الوحي عليه نفى ذلك على الفور، وسخر من ذلك قائلاً:صدق، ثم قرأ قوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} (الشعراء/221 - 223)، ونرى كذلك أم أيمن رضي الله عنها تبكي انقطاع الوحي إلى الأبد قائلة: " أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء " رواه مسلم.
وبالتالي فتكذيب الصحابة لهؤلاء الأفّاكين لم يكن مجرّد رأي واجتهاد، بل تصديقاً لما أخبر به القرآن وما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم – من الأخبار التي تفيد انقطاع النبوّة من الأرض.
ومنها قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما} (الأحزاب/40)، فهذه الآية تدلّ بلفظها وسياقها أن النبوّة قد خُتمت بمبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يخالف في ذلك أحدٌ من السلف، والمعنى أن النبوة كانت في محمد - صلى الله عليه وسلم - من نسل إسماعيل عليه السلام , ثم قدّر الله على نبيّه ألا يكون له ذرّية، ولم يكتب له أن يكون أباً لأحد من الناس، فبين الله عز وجل أنقطاع النبوة بعده , كما بين أن زيدا ليس ابنا لمحمد صلى الله عليه وسلم وكذا بين أن ابناء النبي لم يبلغوا الحلم ليكونوا رجالا بينهم , وانما توفوا قبل ذلك , فلا يكون بعده نبي من نسله صلى الله عليه وسلم , ولما ختم النبوة وهي أعم من الرسالة كان النبي صلى الله عليه وسلم بذلك خاتم الأنبياء والرسل، ويشهد لذلك قول ابن أبي أوفى رضي الله عنه: " لو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه، ولكن لا نبي بعده " رواه البخاري.
وإلى جانب ذلك فقد جاء في السنّة ما يشير إلى مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم – بين إخوانه من الأنبياء والرسل، ويدلّ في الوقت ذاته على ختم النبوّة به , في جملة من الأحاديث الصحيحة التي وردت في مواطن عدة ومناسبات مختلفة، بلغت بمجموعها حدّ التواتر – كما سنشير إلى ذلك لاحقاً -.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلي في النبيين، كمثل رجل بنى دارا، فأحسنها و أكملها و أجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان و يعجبون منه، و يقولون: لو تم موضع هذه اللبنة، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة.) رواه أحمد.
ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مثلي ومثل الأنبياء،كمثل قصر أحسن بنيانه، ترك منه موضع لبنة، فطاف النظّار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة، فكنت أنا سددت موضع اللبنة، ختم بي البنيان وختم بي الرسل " رواه ابن حبان وهو صحيح.
وفي رواية: (فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين) والحديث بهذا اللفظ متفق عليه , والحديث وإن تعدّدت ألفاظه فإنها تتفق في بيان أمرين: علوّ منزلة النبي – صلى الله عليه وسلم – ومكانته، وتمام بنيان النبوّة بمبعثه عليه الصلاة والسلام، فلا يكون بعد تلك اللبنة موضع لنبي آخر.
¥