تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الرابع: ذكره لآثار المنطق والتنبيه عليها، فإنه لما ذكر خطأ المناطقة في الماهيات، وأنها إنما تتركب من الذاتيات وكونها سابقة على وجودها، ذكر ما ترتب على هذا من أغلاطهم كشبهة التركيب في نفي الصفات، ومسألة الألفاظ التي تطلق على الخالق وعلى العبد هل هي مقولة بالتواطؤ أم بالاشتراك؟ وغيرها من المسائل، ولما ذكر خطأهم في الكليات من جهة قولهم بوجودها في الخارج، وكونهم لم يفرقوا بين الوجود الذهني والوجود الخارجي ذكر ما ترتب على قولهم هذا من أغلاط كمسألة الأحوال ومسألة حقيقة وجود الله، وكون الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وذكر أثره في بعض مسائل أصول الفقه، كمسألة الواجب المخير، ومسألة الأمر بالشيء المطلق هل هو أمر بكل جزئياته أم لا؟ وغيرها من المسائل، ولهذا فإنه لما ذكر القول الصحيح في وجود الكليات وأن وجودها وجود ذهني قال: «وهذا الأصل ينفع في عامة العلوم، فلهذا يتعدد ذكره في كلامنا بحسب الحاجة إليه فيحتاج أن يفهم في كل موضع يحتاج إليه فيه، كما تقدم، وبسبب الغلط فيه ضل طوائف من الناس، حتى في وجود الرب تعالى …… ومن علم هذا علم كثيرًا مما دخل في المنطق من الخطأ في كلامهم في الكليات والجزئيات …، وما ذكروه من الفرق بين الذاتيات واللوازم للماهية، وما ادعوه من تركيب الأنواع من الذاتيات المشتركة المميزة التي يسمونها الجنس والفصل، وتسمية هذه الصفات أجزاء الماهية، ودعواهم أن هذه الصفات التي يسمونها أجزاء تسبق الموصوف في الوجود الذهني والخارجي جميعًا، وإثباتهم في الأعيان الموجودة في الخارج حقيقة عقلية مغايرة للشيء المعين الموجود، وأمثال ذلك من أغاليطهم التي تقود من اتبعها إلى الخطأ في الإلهيات.

الخامس: ذكره للبديل عن المنطق في الحد وفي القياس، وهو ما يسمى بالجانب الإنشائي عند ابن تيمية، فإن ابن تيمية لم يكن نقده للمنطق نقدًا مجردًا، بل كان نقدًا وبِنَاءً في نفس الوقت، فقد استطاع ابن تيمية أن ينثر في كتابه "الرد على المنطقيين" وغيره من كتبه قواعد وأصول تكوِّن بمجموعها نظرية علمية في المنطق من الحدود والأقيسة والاستدلال وطرقه وأقسامه، وقواعد في طبيعة المعرفة البشرية المطلوبة، وهذه الجهة في التميز أشاد بها علي سامي النشار، فإنه يعتبر من أول من تنبه لها، ولهذا قسم نقد ابن تيمية للمنطق إلى جانب هدمي وإلى جانب إنشائي.

السادس: أن ابن تيمية سبق غيره ممن جاء بعده سواء في تقعيد بعض الأفكار وإنشائها أو في تفعيل بعضها وتطويرها، ومن هذه الأفكار:

الأولى: قصر التعريف على ذكر الخواص، وهذه الفكرة لم يتفرد بها ابن تيمية، ولكنه تميز بتفصيلها وتطويرها، وإلا فإن المتكلمين قد قالوا بها أيضًا، وهم قد سبقوا أصحاب المنطق الحديث في قولهم بقصر الاستقراء على الخواص.

والثانية: تفعيله للمنهج التجريبي في المعرفة، فليس هناك في الحقيقة من تكلم فيها قبل العصور الحديثة بما تكلم به ابن تيمية في هذا المنهج.

والثالثة: إنكاره لفكرة التصور المفرد الخالي عن كل قيد، وقرر أن التصور المفرد لا يسمى علمًا، ولا يتعلق به الإدراك، وهو يرى أن كل تصور وراءه حكم مكون من محمول وموضوع، وبهذا سبق "فيكتور كوزان" ومدرسته من المناطقة السيكلوجيين الذين اكتشفوا الأحكام الممكنة وعملها في تكوين التصورات.

والرابعة: فكرة اللزوم في الدليل وتفعيله لها، فإن الحقيقة المعتبرة في كل دليل عند ابن تيمية هي اللزوم، فكل ما استلزم شيئًا ما فهو دليل عليه، وكل من عرف أن هذا لازمًا لهذا استدل بالملزوم على اللازم، وبهذا أبطل أن يكون القياس الأرسطي هو الصورة الوحيدة للبراهين، وهو بهذا قد سبق المناطقة المحدثين في نقدهم للقياس الأرسطي من هذه الجهة.

السابعة: ومما يدل على تميّز ابن تيمية أنه ركّز في نقده على بيان خصوصية المنطق الأرسطي، وأنه منهج خاص لا يصلح أن يكون منهجًا يعمم على كل الناس، وهذا يبطل فكرة أرسطو التي أرادها لمنطقه، وأنه لا طريق للعلم عند كل الناس إلا طريقه، وقد بين ابن تيمية خصوصية منطق أرسطو بثلاثة طرق:

الأول: أن المنطق الذي جاء به أرسطو هو في حقيقته اصطلاح خاص به بنى الحقائق على مقتضاها.

والثاني: أن المنطق الأرسطي يبنى على مقتضى اللغة اليونانية.

والثالث: أنهم قالوا بالمنطق ليخدم علومهم فقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير