تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما بالنسبة للأمر الأول وهو أن المنطق هو في الحقيقة اصطلاح خاص بأرسطو بنى الحقائق العلمية على مقتضاها، فأرسطو ومتبعوه جعلوا الحقائق تابعة لاصطلاحهم، ففرقوا بين الحقائق العلمية الخارجية بمصطلحاتهم الخاصة بهم، وحقيقة هذا الفعل هو أن الحقائق العلمية تكون تابعة لمصطلحات الناس، والاصطلاحات تابعة للتصورات، فعلى هذا تكون الحقائق الخارجية تابعة لتصوراتنا عنها، ومن المعلوم بداهة أن الحقائق الخارجية المستغنية عنا لا تكون تابعة لتصوراتنا، بل تصوراتنا تابعة لها، ولهذا لما ذكر ابن تيمية بطلان تفريقهم بين الذاتي والعرضي الملازم وأنه في الحقيقة لا فرق إلا في مجرد الاصطلاح، قال: «وهذا وضع مخالف لصريح العقل، وهو أصل صناعة الحدود الحقيقية عندهم، فتكون صناعة باطلة؛ إذ الفرق بين الحقائق لا يكون بمجرد أمر وضعي بل بما هي عليه الحقائق نفسها.

وأما الأمر الثاني الذي يدل على خصوصية المنطق الأرسطي أنه كتب على مقتضى اللغة اليونانية: «ولا يقول أحد إن سائر العقلاء يحتاجون إلى هذه اللغة» , ولا إلى شيء من قواعدها خاصّة وأنه قد اعترف الفارابي وابن سينا بأن بعض قضايا المنطق لا تجوز في اللغة العربية، ومثل اعتراف الفارابي بأن من إشكاليات الترجمة عدم وجود ألفاظ في العربية ما عند اليونان.

والثالث من الأمور التي تبين خصوصية منطق أرسطو: أن أرسطو وضع منطقه لتقاس به العلوم التي يطلبونها وهي العلوم الكلية؛ لأنه ظن أنها منتهى العلوم وأكملها، وأما العلوم الشرعية فلم يضع المنطق لها، وفي هذا يقول ابن تيمية: «معلمهم وضع منطقهم ليزن به ما يقولونه من هذه الأمور التي يخوضون فيها ...

فإما أن يوزن بهذه الصناعة ما ليس من علومهم وما هو فوق قدرهم، أو يوزن بها ما يوجب السعادة والنعيم والنجاة من العذاب الأليم، فهذا أمر ليس هو فيها.

الثامنة: ومما يميّز ابن تيمية في نقده للمنطق أنه استغل تناقض حال المناطقة مع منطقهم واعترافهم بصعوبته وعسره، فقد ركز على هذا في بيان عدم صلاح المنطق لِأنْ يكون منهجًا للعلم ومعيارًا يصحح به طريقة التفكير ([1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865984#_ftn1)).

وقد لخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلامه في نقض المنطق فقال: فاعلم أنهم بنوا المنطق على الكلام فى الحد ونوعه والقياس البرهانى ونوعه قالوا لأن العلم إما تصور وإما تصديق؛فالطريق الذى ينال به التصور هو الحد والطريق الذى ينال به التصديق هو القياس.

فنقول:الكلام فى أربع مقامات مقامين سالبين ومقامين موجبين.

فالأولان أحدهما: فى قولهم أن التصور المطلوب لا ينال إلا بالحد.

و الثانى: أن التصديق المطلوب لا ينال إلا بالقياس.

والآخران فى أن الحد يفيد العلم بالتصورات وأن القياس أو البرهان الموصوف يفيد العلم بالتصديقات ([2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865984#_ftn2)).

وعلى ذلك قمت بمحاولة جمع وجوه النقد التي ذكرها على الحد والقياس البرهاني , وما يتعلق بها من مسائل من المجلد التاسع من مجموع الفتاوى , والذي خصصه الشيخ ابن القاسم رحمه الله في الكلام على المنطق , وكذلك من كتاب شيخ الإسلام " الرد على المنطقيين " وقد قسمته إلى ثلاثة أقسام:

1 - الرد العام.

2 - الكلام على الحد وإفادته التصور.

3 - الكلام على القياس البرهاني وإفادته التصديق.

وقد ذكرت قبل ذلك ملخصا سهلا في خلاصة علم المنطق , تسهيلا لفهم بعض مصطلحات هذا الفن.

وهذا العلم وإن كان كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا يحتاج إليه طالب العلم ابتداء؛ لكن قد يحتاج إليه في رد شبهات من يستخدمه للتشكيك في عقيدة السلف وإلقاء الشبهات.

وقد ذكر رحمه الله حال طالب العلم مع هؤلاء فقال: وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفيا وإثباتا؛ فإن امتنع عن التكلم معهم فقد ينسبونه إلى العجز والانقطاع.

وإن تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقا وباطلا , وأوهموا الجهال باصطلاحهم أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي ينزه الله عنها ([3] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865984#_ftn3)).

وقال أيضا:وبعض الناس يكون كلما كان الطريق أدق وأخفى وأكثر مقدمات وأطول كان أنفع له لأن نفسه اعتادت النظر فى الأمور الدقيقة؛فإذا كان الدليل قليل المقدمات أو كانت جلية لم تفرح نفسه به, ومثل هذا قد تستعمل معه الطرق الكلامية المنطقية وغيرها لمناسبتها لعادته لا لكون العلم بالمطلوب متوقفا عليها مطلقا. ([4] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865984#_ftn4))

([1])" تميز ابن تيمية في نقد المنطق " (22) بتصرف يسير.

([2]) مجموع الفتاوى (9

83)

([3]) "درء تعارض العقل والنقل" (1/ 133)

([4]) مجموع الفتاوى (9

213)

يتبع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير