و الأصل الثاني وهو الفرق بين اللازم للماهية والذاتي لا حقيقة له؛فإنه إن جعلت الماهية التي في الخارج مجردة عن الصفات اللازمة ,وأمكن أن يجعل الوجود الذي في الخارج مجردا عن هذه الصفات اللازمة ,وإن جعل هذا هو نفس الماهية بلوازمها كان هذا بمنزلة أن يقال هذا الوجود بلوازمه وهما باطلان؛فإن الزوجية والفردية للعدد مثلا مثل الحيوانية والنطق للإنسان ,وكلاهما إذا خطر بالبال منه الموصوف مع الصفة لم يمكن تقدير الموصوف دون الصفة ,وما ذكروه من أن ما جعلوه هو الذاتي يتقدم بصورة في الذهن فباطل من وجهين:
أحدهما: أن هذا خبر عن وضعهم إذ هم يقدمون هذا في أذهانهم ,ويؤخرون هذا وهذا حكم محض ,وكل من قدم هذا دون ذا فإنما قلدهم في ذلك.
ومعلوم أن الحقائق الخارجية المستغنية عنا لا تكون تابعة لتصوراتنا فليس إذا فرضنا هذا مقدما وهذا مؤخرا يكون هذا في الخارج كذلك , وسائر بني آدم الذين يقلدونهم في هذا الموضع لا يستحضرون هذا التقديم والتأخير, ولو كان هذا فطريا كانت الفطرة تدركه بدون التقليد كما تدرك سائر الأمور الفطرية والذي في الفطرة أن هذه اللوازم كلها لوازم للموصوف ,وقد يخطر بالبال ,وقد لا يخطر أما أن يكون هذا خارجا عن الذات وهذا داخلا في الذات فهذا تحكم محض ليس له شاهد لا في الخارج ولا في الفطرة.
و الثاني: أن كون الوصف ذاتيا للموصوف هو أمر تابع لحقيقته التي هو بها سواء تصورته أذهاننا أو لم تتصوره؛فلا بد إذا كان أحد الوصفين ذاتيا دون الآخر أن يكون الفرق بينهما أمرا يعود إلى حقيقتهما الخارجة الثابتة بدون الذهن وأما أن يكون بين الحقائق الخارجة ما لا حقيقة له إلا مجرد التقدم والتأخر في الذهن؛فهذا لا يكون إلا أن تكون الحقيقة والماهية هي ما يقدر في الذهن لا ما يوجد في الخارج ,وذلك أمر يتبع تقدير صاحب الذهن ,وحينئذ فيعود حاصل هذا الكلام إلى أمور مقدرة في الأذهان لا حقيقة لها في الخارج وهي التخيلات والتوهمات الباطلة وهذا كثير في أصولهم.
مجموع الفتاوى (9
100) والرد على المنطقيين (62)
الرابع عشر: أن يقال لهم هل تشترطون في الحد التام وكونه يفيد تصور الحقيقة أن تتصور جميع صفاته الذاتية المشتركة بينه وبين غيره أم لا؟ فإن شرطوا لزم استيعاب جميع الصفات وإن لم يشترطوا واكتفوا بالجنس القريب دون غيره فهو تحكم محض وإذا عارضهم من يوجب ذكر جميع الأجناس أو يحذف جميع الأجناس لم يكن لهم جواب إلا أن هذا وضعهم واصطلاحهم ,ومعلوم أن العلوم الحقيقية لا تختلف باختلاف الأوضاع؛ فقد تبين أن ما ذكروه هو من باب الوضع والاصطلاح الذي جعلوه من باب الحقائق الذاتية والمعارف وهذا عين الضلال والإضلال كمن يجيء إلى شخصين متماثلين فيجعل هذا مؤمنا وهذا كافرا وهذا عالما وهذا جاهلا وهذا سعيدا وهذا شقيا من غير افتراق بين ذاتيهما بل بمجرد وضعه واصطلاحه؛فهم مع دعواهم القياس العقلي يفرقون بين المتماثلات ويسوون بين المختلفات.
مجموع الفتاوى (9
101)
[/ URL] ([1]) التسلسل: مصطلح كلامي يراد به (ترتيب أمور غير متناهية) وإنما سمى تسلسلاً أخذاً من السلسلة وهي قابلة لزيادة الحلقات إلى ما لا نهاية له فالمناسبة بينهما عدم التناهي بين طرفيها ففي السلسة مبتدؤها ومنتهاها ,وأما في التسلسل فطرفاه هما الزمن الماضي والمستقبل.عن كتاب رسائل الشيخ محمد الحمد.
وأما الدور فهو توقف كل من الأمرين على الآخر ومثلوا لذلك بقول الشاعر
قضية الدور جرت ... بيني وبين من أحب
لولا مشيبي ما جفت ... لولا جفاها لم أشب
إرشاد الفحول (50) تحقيق محمد صبحي حلاق
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865987#_ftnref1) ([2]) قال شيخ الإسلام: فمن لم يتصور مسمى الخبر والماء والسماء والأرض والأب والأم لم يعرف دلالة اللفظ عليه ,وإذا كان متصورا لمسمى اللفظ ومعناه قبل استماعه وإن لم يعرف دلالة اللفظ عليه امتنع أن يقال إنه إنما تصوره باستماع اللفظ لأن في ذلك دورا قبليا إذ يستلزم أن يقال لم يتصور المعنى حتى سمع اللفظ وفهمه ولم يمكن أن يفهم المراد باللفظ حتى يكون قد تصور ذلك المعنى قبل ذلك.الرد على المنطقيين (10)
([3]) وقد سطر الغزالي اعترافه باستعصاء الحد على طريقة المتكلمين في كتابه "معيار العلم " انظر الرد على المنطقيين (19)
¥