ومن هنا يغلط القياسيون الذين يلحظون المعنى المشترك الجامع دون الفارق المميز.
مجموع الفتاوى (9
62)
الحادي عشر: اشتراط الصفات الذاتية المشتركة أمر وضعي محض
أن يقال قولهم إن الحد التام يفيد تصوير الحقيقة واشتراطهم أن يكون مؤلفا من الذاتي المميز والذاتي المشترك وهو الجنس.
يقال لهم هل تشترطون فيه أن تتصور جميع صفاته الذاتيه المشتركة بينه وبين غيره أم لا؟ فإن اشترطتم ذلك لزم أن تقولوا مثلا جسم نام حساس متحرك بالإرادة فأما لفظ الحيوان فلا يدل على هذه الصفات بالمطابقة ولا بفصلها وإن لم تشترطوا ذلك فاكتفوا بمجرد المميز كالناطق مثلا؛فإن الناطق يدل على الحيوان كما يدل الحيوان على النامى إذ النامى جنس قريب للحيوان يشترك فيه الحيوان والنبات فإذا أردت حد الحيوان على وضعهم, قلت: الجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة.
والمقصود أنهم إن اكتفوا في الدلالة على الصفات المشتركة بما يدل بالتضمين أو بالالتزام؛فالفصل يدل على ذلك ,وإن أرادوا تفصيلها بدلالة المطابقة؛فلم يفعلوا ذلك وهذا يبين أن إيجابهم في الحد التام الجنس القريب دون غيره تحكم محض.
الرد على المنطقيين (75)
الثاني عشر: اشتراط ذكر الفصول مع التفريق بين الذاتي واللازم غير ممكن وهو أن اشتراطهم مثلا ذكر الفصول التي هي الذاتيات المميزة مع تفريقهم بين الذاتي والعرضى اللازم للماهية غير ممكن ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=865987#_ftn9)) إذ ما من مميز هو من خواص المحدود المطابقة له في العموم والخصوص إلا ويمكن شخصا أن يجعله ذاتيا مميزا, ويمكن الآخر أن يجعله عرضيا لازما للماهية.
الرد على المنطقيين (77)
الثالث عشر: أن يقال المفيد لتصور الحقيقة عندهم هو الحد العام المؤلف من الذاتيات دون العرضيات ,ومبنى هذا الكلام على الفرق بين الذاتي والعرضي وهم يقولون الذاتي ما كان داخل الماهية ,والعرضي ما كان خارجا عنها وقسموه إلى لازم للماهية ولازم لوجودها.
وهذا الكلام الذي ذكروه مبني على أصلين فاسدين الفرق بين الماهية ووجودها ثم الفرق بين الذاتي لها واللازم لها:
فالأصل الأول قولهم أن الماهية لها حقيقة ثابتة في الخارج غير وجودها ,وهذا شبيه بقول من يقول المعدوم شيء ,وهو من أفسد ما يكون ,وأصل ضلالهم أنهم رأوا الشيء قبل وجوده يعلم ويراد ,ويميز بين المقدور عليه والمعجوز عنه ونحو ذلك فقالوا:لو لم يكن ثابتا لما كان كذلك كما أنا نتكلم في حقائق الأشياء التي هي ماهياتها مع قطع النظر عن وجودها في الخارج؛فتخيل الغالط أن هذه الحقائق والماهيات أمور ثابتة في الخارج.
والتحقيق أن ذلك كله أمر ثابت في الذهن والمقدر في الأذهان أوسع من الموجود في الأعيان ,وهو موجود وثابت في الذهن وليس هو في نفس الأمر لا موجودا ولا ثابتا؛فالتفريق بين الوجود والثبوت ,وكذلك التفريق بين الوجود والماهية مع دعوى أن كليهما في الخارج غلط عظيم.
وهؤلاء ظنوا أن الحقائق النوعية كحقيقة الإنسان والفرس وأمثال ذلك ثابتة في الخارج غير الأعيان الموجودة في الخارج ,وأنها أزلية لا تقبل الاستحالة وهذه التي تسمى المثل الأفلاطونية ,ولم يقتصروا على ذلك بل أثبتوا أيضا ذلك في المادة والماهية والمكان فأثبتوا مادة مجردة عن الصور ثابتة في الخارج وهي الهيولى الأولية التي بنوا عليها قدم العالم ,وغلطهم فيها جمهور العقلاء.
والكلام على من فرق بين الوجود والماهية مبسوط في غير هذا الموضع ,والمقصود هنا التنبيه على أن ما ذكروه في المنطق من الفرق بين الماهية ووجودها في الخارج هو مبنى على هذا الأصل الفاسد ,وحقيقة الفرق الصحيح أن الماهية هي ما يرتسم في النفس من الشيء ,والوجود ما يكون في الخارج منه وهذا فرق صحيح؛فإن الفرق بين ما في النفس وما في الخارج ثابت معلوم لا ريب فيه ,وأما تقدير حقيقة لا تكون ثابتة في العلم ولا في الوجود فهو باطل.
¥