الحادي والعشرون: أنهم معترفون بأن من التصورات ما يكون بديهيا لا يحتاج إلى حد وحينئذ فيقال كون العلم بديهيا أو نظرها من الأمور النسبية الإضافية فقد يكون النظري عند رجل بديهيا عند غيره لوصوله إليه بأسبابه من مشاهدة أو تواتر أو قرائن والناس يتفاوتون في الإدراك تفاوتا لا ينضبط فقد يصير البديهي عند هذا دون ذاك بديهيا كذلك أيضا بمثل الاسباب التي حصلت لهذا ولا يحتاج إلى حد.
مجموع الفتاوى (9
87) والرد على المنطقيين (13)
الثاني والعشرون: أنهم يقولون للمعترض أن يطعن على الحد بالنقض في الطرد أو في المنع وبالمعارضة بحد آخر؛فإذا كان المستمع للحد يبطله بالنقض تارة وبالمعارضة أخرى ومعلوم أن كليهما لا يمكن إلا بعد تصور المحدود علم أنه يمكن تصور المحدود بدون الحد وهو المطلوب ().
مجموع الفتاوى (9
87) والرد على المنطقيين (11)
الثالث والعشرون: أنهم يقولون الحد لا يمنع ولا يقام عليه دليل وإنما يمكن إبطاله بالنقض والمعارضة فيقال إذا لم يكن الحاد قد أقام دليلا على صحة الحد امتنع أن يعرف المستمع المحدود به إذا جوز عليه الخطأ؛فإنه إذا لم يعرف صحة الحد بقوله ,وقوله محتمل الصدق والكذب امتنع أن يعرفه بقوله.
ومن العجب أن هؤلاء يزعمون أن هذه طرق عقلية يقينية ويجعلون العلم بالمفرد أصل العلم بالمركب, ويجعلون العمدة في ذلك على الحد الذي هو قول الحاد بلا دليل وهو خبر واحد عن أمر عقلي لا حسي يحتمل الصواب والخطا والصدق الكذب ثم يعيبون على من يعتمد على الأمور السمعية على نقل الواحد الذي معه من القرائن ما يفيد المستمع العالم بها العلم اليقيني زاعمين أن خبر الواحد لا يفيد العلم ,وخبر الواحد وإن لم يفد العلم لكن هذا بعينه قولهم في الحد؛فإنه خبر واحد لا دليل على صدقه بل , ولا يمكن عندهم إقامة الدليل على صدقه فلم يكن الحد مفيدا لتصور المحدود ولكن إن كان المستمع قد تصور المحدود قبل هذا أو تصوره معه أو بعده بدون الحد وعلم أن ذلك حده علم صدقه في حده وحينئذ فلا يكون الحد أفاد التصور وهذا بين.
وتلخيصه أن تصور المحدود بالحد لا يمكن بدون العلم بصدق قول الحاد وصدق قوله لا يعلم بمجرد الخبر فلا يعلم المحدود بالحد.
مجموع الفتاوى (9
92) والرد على المنطقيين (37)
الرابع والعشرون: المعاني الكلية وجودها في الذهن وما هو خارج الذهن لا يتعين ولا يعرف بمجرد الحد.
قال رحمه الله:إن الحدود إنما هي أقوال كلية كقولنا حيوان ناطق و لفظ يدل على معنى ونحو ذلك؛فتصور معناها لا يمنع من وقوع الشركة فيها ,وإن كانت الشركة ممتنعة لسبب آخر فهى إذن لا تدل على حقيقة معينه بخصوصها ,وإنما تدل على معنى كلى والمعانى الكلية وجودها فى الذهن لا فى الخارج؛فما فى الخارج لا يتعين ولا يعرف بمجرد الحد وما فى الذهن ليس هو حقائق الأشياء فالحد لا يفيد تصور حقيقة أصلا.
مجموع الفتاوى (9
48)
الخامس والعشرون:حقيقة الحد هو الفصل والتمييز لا تصور حقيقة
إن الحد هو الفصل والتمييز بين المحدود وغيره؛ يفيد ما تفيده الأسماء من التمييز والفصل بين المسمى وبين غيره؛فهذا لا ريب فى أنه يفيد التمييز ,فأما تصور حقيقة فلا لكنها قد تفصل ما دل عليه الاسم بالإجمال ,وليس ذلك من إدراك الحقيقة فى شىء والشرط فى ذلك أن تكون الصفات ذاتية بل هو بمنزلة التقسيم والتحديد للكل كالتقسيم لجزئياته ويظهر ذلك.
مجموع الفتاوى (9
49)
وقال رحمه الله: المحققون من النظار على أن الحد فائدته التمييز بين المحدود وغيره كالاسم ليس فائدته تصوير المحدود وتعريف حقيقته ,وإنما يدعى هذا أهل المنطق اليونانيون أتباع أرسطو ومن سلك سبيلهم تقليدا لهم من الإسلاميين وغيرهم؛فأما جماهير أهل النظر والكلام من المسلمين وغيرهم فعلى خلاف هذا وإنما أدخل هذا من تكلم في أصول الدين والفقه بعد أبي حامد في أواخر المائة الخامسة وهم الذين تكلموا في الحدود بطريقة أهل المنطق اليوناني ,وأما سائر النظار من جميع الطوائف الأشعرية والمعتزلة والكرامية والشيعة وغيرهم فعندهم إنما يفيد الحد التمييز بين المحدود وغيره وذلك مشهور في كتب أبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر وأبي إسحق وابن فورك والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وإمام الحرمين والنسفى وأبي علي وأبي هاشم وعبد الجبار والطوسي ومحمد بن الهيصم
¥