تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال:أما الموجودات الخارجية فتعلم بدون هذا القياس ,وإذا قيل إن من الناس من يعلم بعض الأعيان الخارجية بهذا القياس فيكون مبناه على قياس التمثيل الذى ينكرون أنه يقينى فهم بين أمرين:إن اعترفوا بأن قياس التمثيل من جنس قياس الشمول ينقسم إلى يقينى وظني بطل تفريقهم ,وإن ادعوا الفرق بينهما وأن قياس الشمول يكون يقينيا دون التمثيل منعوا ذلك ,وبين لهم أن اليقين لا يحصل فى هذه الأمور إلا أن يحصل بالتمثيل فيكون العلم بما لم يعلم من المفردات الموجودة فى الخارج قياسا على ما علم منها ,وهذا حق لا ينازع فيه عاقل بل هذا من أخص صفات العقل التى فارق بها الحس, إذ الحس لا يعلم إلا معينا والعقل يدركه كليا مطلقا لكن بواسطة التمثيل ثم العقل يدركها كلها مع عزوب الأمثلة المعينة عنه.

لكن هي في الأصل إنما صارت فى ذهنه كلية عامة بعد تصوره لأمثال معينة من أفرادها ,وإذا بعد عهد الذهن بالمفردات المعنية فقد يغلط كثيرا؛بأن يجعل الحكم إما أعم وإما أخص ,وهذا يعرض للناس كثيرا حيث يظن أن ما عنده من القضايا الكلية صحيح ويكون عند التحقيق ليس كذلك.

وهم يتصورون الشىء بعقولهم ويكون ما تصوروه معقولا بالعقل فيتكلمون عليه ويظنون أنهم تكلموا فى ماهية مجردة بنفسها من حيث هي هى ,من غير أن تكون ثابتة فى الخارج ولا فى الذهن فيقولون الإنسان من حيث هو هو والوجود من حيث هو هو والسواد من حيث هو هو ونحو ذلك.

ويظنون أن هذه الماهية التى جردوها عن جميع القيود السلبية والثبوتية محققة فى الخارج على هذا التجريد ,وذلك غلط كغلط أوليهم فيما جردوه من العدد والمثل الأفلاطونية وغيرها بل هذه المجردات لا تكون إلا مقدرة في الذهن ,وليس كل ما فرضه الذهن أمكن وجوده فى الخارج وهذا الذى يسمى الإمكان الذهني.

فإن الإمكان على وجهين ذهني وهو أن يعرض الشىء على الذهن فلا يعلم امتناعه بل يقول يمكن هذا لا لعلمه بإمكانه بل لعدم علمه بامتناعه مع أن ذلك الشىء قد يكون ممتنعا في الخارج.

و خارجي وهو أن يعلم إمكان الشىء فى الخارج ,وهذا يكون بأن يعلم وجوده فى الخارج أو وجود نظيره أو وجوده ما هو أبعد عن الوجود منه؛فإذا كان الأبعد عن قبول الوجود موجودا ممكن الوجود فالأقرب إلى الوجود منه أولى.

مجموع الفتاوى (9

224)

الثاني والعشرون: أنهم كما حصروا اليقين في الصورة القياسية حصروه فى المادة التى ذكروها من القضايا الحسيات والأوليات والمتواترات والمجربات والحدسيات ومعلوم أن لا دليل على نفي ما سوى هذه القضايا ثم مع ذلك إنما اعتبروا فى الحسيات والعقليات وغيرها ما جرت العادة باشتراك بنى آدم فيه ,وتناقضوا في ذلك فإن بني آدم إنما يشتركون كلهم فى بعض المرئيات وبعض المسموعات؛ فإنهم كلهم يرون عين الشمس والقمر والكواكب ويرون جنس السحاب والبرق ,وإن لم يكن ما يراه هؤلاء عين ما يراه هؤلاء عين ,وكذلك يشتركون في سماع صوت الرعد ,وأما ما سمعه بعضهم من كلام بعض وصوته فهذا لا يشترك بنو آدم فى عينه بل كل قوم يسمعون ما لم يسمع غيرهم وكذا أكثر المرئيات

وأما الشم والذوق واللمس فهذا لا يشترك جميع الناس فى شيء معين فيه؛بل الذي يشمه هؤلاء ويذوقونه ويلمسونه ليس هو الذي يشمه ويذوقه ويلمسه هؤلاء.

لكن قد يتفقان فى الجنس لا فى العين وكذلك ما يعلم بالتواتر والتجربة والحدس فإنه قد يتواتر عند هؤلاء ويجرب هؤلاء ما لم يتواتر عند غيرهم ويجربوه ,ولكن قد يتفقان فى الجنس كما يجرب قوم بعض الأدوية ويجرب آخرون جنس تلك الأدوية فيتفق فى معرفة الجنس لا في معرفة عين المجرب ...

وعامة ما عندهم من العلوم الكلية بأحوال الموجودات هي من العلم بعادة ذلك الموجود وهو ما يسمونه الحدسيات وعامة ما عندهم من العلوم العقلية الطبيعية والعلوم الفلكية كعلم الهيئة فهو من قسم المجربات ,وهذه لا يقوم فيها برهان؛فإن كون هذه الأجسام الطبيعية جربت وكون الحركات جربت لا يعرفه أكثر الناس إلا بالنقل , والتواتر في هذا قليل.

وغاية الأمر أن تنقل التجربة في ذلك عن بعض الأطباء أو بعض أهل الحساب وغاية ما يوجد أن يقول بطليموس هذا مما رصده فلان وأن يقول جالينوس هذا مما جربته أو ذكر لي فلان أنه جربه وليس فى هذا شيء من المتواتر ,وإن قدر أن غيره جربه أيضا فذاك خبر واحد وأكثر الناس لم يجربوا جميع ما جربوه ولا علموا بالأرصاد ما ادعوا أنهم علموه ,وإن ذكروا جماعة رصدوا فغايته أنه من المتواتر الخاص الذي تنقله طائفة.

فمن زعم أنه لا يقوم عليه برهان بما تواتر عن الأنبياء كيف يمكنه أن يقيم على غيره برهانا بمثل هذا التواتر ويعظم علم الهيئة والفلسفة ويدعي أنه علم عقلي معلوم بالبرهان ,وهذا أعظم ما يقوم عليه البرهان العقلي عندهم هذا حاله فما الظن بالإلهيات التى إذا نظر فيها كلام معلمهم الأول أرسطو وتدبره الفاضل العاقل لم يفده إلا العلم بأنهم كانوا من أجهل الخلق برب العالمين ,وأن كفار اليهود والنصارى أعلم منهم بهذه الأمور.

مجموع الفتاوى (9

246)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير