والكتاب والسنة ناطقان بإثبات ذلك ولبسط هذه الأمور موضع آخر وإنما المقصود أن ما تلقوه من القواعد الفاسدة المنطقية من نفي ما لم يعلم نفيه أوجب لهم من الجهل والكفر ما صار حاجبا ,وأنهم به أسوأ حالا من كفار اليهود والنصارى.
مجموع الفتاوى (9
249)
السابع والعشرون: أن يقال كون القضية برهانية معناه عندهم أنها معلومة للمستدل بها ,وكونها جدلية معناه كونها مسلمة ,وكونها خطابية معناه كونها مشهورة أو مقبولة أو مظنونة ,وجميع هذه الفروق هي نسب وإضافات عارضة للقضية ليس فيها ما هو صفة ملازمة لها فضلا عن أن تكون ذاتية لها على أصلهم بل ليس فيها ما هو صفة لها فى نفسها بل هذه صفات نسبية باعتبار شعورالشاعر بها ,ومعلوم أن القضية قد تكون حقا والإنسان لا يشعر بها فضلا عن أن يظنها أو يعلمها ,وكذلك قد تكون خطابية أو جدلية وهي حق فى نفسها بل تكون برهانية أيضا كما قد سلموا ذلك ,وإذا كان كذلك فالرسل صلوات الله عليهم أخبروا بالقضايا التى هي حق فى نفسها لا تكون كذبا باطلا قط ,وبينوا من الطرق العلمية التى يعرف بها صدق القضايا ما هو مشترك فينتفع به جنس بني آدم وهذا هو العلم النافع للناس.
وأما هؤلاء المتفلسفة فلم يسلكوا هذا المسلك بل سلكوا في القضايا الأمر النسبى فجعلوا البرهانيات ما علمه المستدل وغير ذلك لم يجعلوه برهانيا ,وإن علمه مستدل آخر ,وعلى هذا فيكون من البرهانيات عند إنسان وطائفة ما ليس من البرهانيات عند آخرين؛فلا يمكن أن تحد القضايا العلمية بحد جامع بل تختلف باختلاف أحوال من علمها ومن لم يعلمها حتى أن أهل الصناعات عند أهل كل صناعة من القضايا التى يعلمونها مالا يعلمها غيرهم, وحينئذ فيمتنع أن تكون طريقتهم مميزة للحق من الباطل والصدق من الكذب باعتبار ما هو الأمر عليه فى نفسه عند أهل كل صناعة من الحق والباطل ومن الصدق والكذب ,ويمتنع أن تكون منفعتها مشتركة بين الآدميين بخلاف طريقة الأنبياء؛فإنهم أخبروا بالقضايا الصادقة التى تفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب؛فكل ما ناقض الصدق فهو كاذب وكل ما ناقض الحق فهو باطل؛فلهذا جعل الله ما أنزله من الكتاب حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه وأنزل أيضا الميزان وما يوزن به ويعرف به الحق من الباطل ولكل حق ميزان يوزن به بخلاف ما فعله الفلاسفة المنطقيون فإنه لا يمكن أن يكون هاديا للحق ولا مفرقا بين الحق والباطل ولا هو ميزان يعرف به الحق من الباطل.
وأما المتكلمون فما كان في كلامهم موافقا لما جاءت به الأنبياء فهو منه وما خالفه فهو من البدع الباطلة شرعا وعقلا.
فإن قيل نحن نجعل البرهانيات إضافية فكل ما علمه الإنسان بمقدماته فهو برهاني عنده وإن لم يكن برهانيا عند غيره.
قيل: لم يفعلوا ذلك فإن من سلك هذا السبيل لم يجد مواد البرهان فى أشياء معينة مع إمكان علم كثير من الناس لأمور أخرى بغير تلك المواد المعينة التى عيونها وإذا قالوا نحن لا نعين المواد فقد بطل أحد أجزاء المنطق وهو المطلوب.
مجموع الفتاوى (9
251)
الثامن والعشرون: أنهم لما ظنوا أن طريقهم كلية محيطة بطرق العلم الحاصل لبني آدم مع أن الأمر ليس كذلك وقد علم الناس إما بالحس وإما بالعقل وإما بالأخبار الصادقة معلومات كثيرة تعلم بطريقهم ذكروها ,ومن ذلك ما علمه الأنبياء صلوات الله عليهم من العلوم أرادوا إجراء ذلك على قانونهم الفاسد فقالوا النبى له قوة أقوى من قوة غيره ,وهو أن يكون بحيث ينال الحد الاوسط من غير تعليم فإذا تصور أدرك بتلك القوة الحد الذي قد يتعسر أو يتعذر على غيره إدراكه بلا تعليم لأن قوى الأنفس فى الإدراك غير محدودة؛فجعلوا ما يخبر به الأنبياء من أنباء الغيب إنما بواسطة القياس المنطقى ,وهذا فى غاية الفساد فإن القياس المنطقي إنما تعرف به أمورا كلية كما تقدم.
مجموع الفتاوى (9
252)
التاسع والعشرون: قول بعضهم ليس في العقليات قياس باطل
¥