ومن قال من متأخري أهل الكلام والرأي كأبي المعالي وأبي حامد والرازي وأبي محمد المقدسي وغيرهم من أن العقليات ليس فيها قياس ,وإنما القياس فى الشرعيات ولكن الاعتماد فى العقليات على الدليل الدال على ذلك مطلقا فقولهم مخالف لقول نظار المسلمين بل وسائر العقلاء؛فإن القياس يستدل به فى العقليات كما يستدل به فى الشرعيات؛فإنه إذا ثبت أن الوصف المشترك مستلزم للحكم كان هذا دليلا فى جميع العلوم ,وكذلك إذا ثبت أنه ليس بين الفرع والأصل فرق مؤثر كان هذا دليلا فى جميع العلوم وحيث لا يستدل بالقياس التمثيلي لا يستدل بالقياس الشمولي.
مجموع الفتاوى (9
118) والرد على المنطقيين (118)
الثلاثون: قولهم الاستدلال لابد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان ()
أ- وأما قولهم الاستدلال لابد فيه من مقدمتين بلا زيادة ولا نقصان فهذا قول باطل طردا وعكسا ,وذلك أن احتياج المستدل إلى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس فمن الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة لعلمه بما سوى ذلك كما أن منهم من لا يحتاج فى علمه بذلك إلى استدلال بل قد يعلمه بالضرورة ومنهم من يحتاج الى مقدمتين ,ومنهم من يحتاج الى ثلاث ,ومنهم من يحتاج الى أربع وأكثر فمن أراد أن يعرف أن هذا المسكر المعين محرم؛فإن كان يعرف أن كل مسكر محرم ولكن لا يعرف هل هذا المسكر المعين يسكر أم لا لم يحتج إلا إلى مقدمة واحدة وهو أن يعلم أن هذا مسكر فإذا قيل له هذا حرام فقال ما الدليل عليه فقال المستدل الدليل على ذلك أنه مسكر تم المطلوب.
وكذلك لو تنازع اثنان فى بعض أنواع الأشربة هل هو مسكر أم لا كما يسأل الناس كثيرا عن بعض الأشربة ولا يكون السائل ممن يعلم أنها تسكر أو لا تسكر ولكن قد علم أن كل مسكر حرام؛فإذا ثبت عنده بخبر من يصدقه أو بغير ذلك من الأدلة أنه مسكر علم تحريمه ,وكذلك سائر ما يقع الشك فى اندراجه تحت قضية كلية من الأنواع والأعيان مع العلم بحكم تلك القضية كتنازع الناس فى النرد والشطرنج هل هما من الميسر أم لا ,وتنازعهم فى النبيذ المتنازع فيه هل هو من الخمر أم لا ,وتنازعهم فى الحلف بالنذر والطلاق والعتاق هل هو داخل فى قوله {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} أم لا وتنازعهم فى قوله {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} هل هو الزوج أو الولى المستقل وأمثال ذلك.
وقد يحتاج الاستدلال إلى مقدمتين لمن لم يعلم أن النبيذ المسكر المتنازع فيه محرم ولم يعلم أن هذا المعين مسكر فهو لا يعلم أنه محرم حتى يعلم أنه مسكر ,ويعلم أن كل مسكر حرام ,وقد يعلم أن هذا مسكر ويعلم أن كل مسكر خمر لكن لم يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم حرم الخمر لقرب عهده بالإسلام أو لنشأته بين جهال أو زنادقة يشكون فى ذلك أو يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:كل مسكر حرام أو يعلم أن هذا خمر وأن النبى حرم الخمر لكن لم يعلم أن محمدا رسول الله أو لم يعلم أنه حرمها على جميع المؤمنين بل ظن أنه أباحها لبعض الناس؛فظن أنه منهم كمن ظن أنه أباح شربها للتداوى أو غير ذلك؛فهذا لا يكفيه فى العلم بتحريم هذا النبيذ المسكر تحريما عاما إلا أن يعلم أنه مسكر وأنه خمر وأن النبى صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر ,وأنه رسول الله حقا فما حرمه حرمه الله وأنه حرمه تحريما عاما لم يبحه للتداوى أو للتلذذ ...
والمقصود أن قولكم أن الدليل الذى هو القياس لا يكون إلا جزئين فقط إن أردتم لفظين فقط وإن ما زاد على لفظين فهو أدلة لا دليل واحد لأن ذلك اللفظ الموصوف بصفات تحتاج كل صفة إلى دليل.
قيل لكم وكذلك يمكن أن يقال فى اللفظين هما دليلان لا دليل واحد؛فإن كل مقدمة تحتاج إلى دليل ,وحينئذ فتخصيص العدد باثنين دون ما زاد تحكم لا معنى له؛ فإنه إذا كان المقصود قد يحصل بلفظ مفرد وقد لا يحصل إلا بلفظين وقد لا يحصل إلا بثلاثة أو بأربعة وأكثر فجعل الجاعل اللفظين هما الأصل الواجب دون ما زاد وما نقص ,وأن الزائد إن كان فى المطلوب جعل مطالب متعددة, وإن كان فى الدليل تذكر مقدمات جعل ذلك فى تقدير أقيسة متعددة تحكم محض ليس هو أولى من أن يقال بل الأصل فى المطلوب أن يكون واحدا ودليله جزاء واحدا فإذا زاد المطلوب على ذلك جعل مطلوبين أو ثلاثة أو أربعة بحسب دلالته ,وهذا إذا قيل فهو أحسن من قولهم لأن اسم الدليل مفرد فيجعل معناه مفردا
¥