وكانَ منْ توفيقِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ أنِّي كُنْتُ أتَصَفَّحُ الكتابَ المُبَاركَ الذي صنَّفَهُ فضيلةُ الشيْخِ/ بكرِ بنِ عبدِ اللَّهِ أبو زيدٍ حَفِظَهُ اللَّهُ في تقريبِ علومِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللَّهُ تعالى؛ ذلكَ الإمامُ الجليلُ الذي اشتهرَ بسَعَةِ علمِهِ، وصِحَّةِ منهجِهِ، وجودةِ تآليفِهِ، وحُسْنِ أُسْلُوبِهِ، وكانَ كثيراً ما يَرْبِطُ مسائلَ العلمِ والعملِ بالإيمانِ باللَّهِ عزَّ وجلَّ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، وهوَ في المكانةِ والشهرةِ في قلوبِ العامَّةِ والخاصَّةِ بمنزلةٍ تُغْنِي عن التعريفِ بهِ.
وكانَ منْ جُمْلَةِ ما تصفَّحْتُهُ ما جمَعَهُ فضيلةُ الشيخِ من الإشاراتِ إلى مباحثَ تتعَلَّقُ بشرحِ أسماءِ اللَّهِ الحسنى منْ كُتُبِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللَّهُ.
وكأنَّ الشيخَ حفظهُ اللَّهُ آنَسَ أنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى مزيدِ بحثٍ، فقالَ (ص 81): (لابنِ القَيِّمِ رحمهُ اللَّهُ تعالى في هذا المبحثِ العظيمِ مباحثُ منثورةٌ في كُتُبِهِ، فيها منْ إبداءِ كنوزِ العلمِ، ولطائفِ الأسرارِ، ما يفتحُ للمسلمِ بابَي العلمِ واليقينِ؛ فها أنا ذا أجمعُ لكَ مَظَانَّها في مكانٍ واحدٍ لعلَّ اللَّهَ سبحانهُ أنْ يُهَيِّئَ مَنْ يُفْرِدُهَا بكتابٍ مستقلٍّ دونَ أيِّ تعليقٍ أوْ تحشيَةٍ). اهـ.
فلامسَ كلامُهُ رغبةً كامنةً في النَّفس، فاستَخَرْتُ اللَّهَ عزَّ وجلَّ واستَعَنْتُهُ ـ ونِعْمَ المُعِينُ ـ على جمعِ هذا البحثِ وإعدَادِهِ.
فقُمْتُ باستقراءِ مَا وَقَفْتُ عليهِ منْ كُتُبِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللَّهُ تعالى، وكنتُ إذا ما مَرَرْتُ بكلامٍ يتعَلَّقُ بالأسماءِ الحسنى أشَرْتُ إلى موضعِهِ في آخرِ ذلكَ الكتابِ، حتَّى اجتمعَ لي قدرٌ كبيرٌ والحمدُ للَّهِ تعالى.
ثمَّ قُمْتُ بتصنِيفِهِ على قسمَيْنِ:
القسمُ الأوَّلُ: يتعَلَّقُ بكلامٍ عامٍّ عن الأسماءِ الحسنَى.
والقسمُ الثانِي: يتعَلَّقُ بشرحٍ خاصٍّ لكلِّ اسمٍ من الأسماءِ الحسنى؛ إمَّا تصريحاً بأنْ يذكرَ الشيخُ ذلكَ الاسمَ، ثمَّ يأخذَ في شرْحِهِ، وإمَّا أنْ أُدْرِكَ مِنْ معنى كلامِهِ أنَّ هذا الكلامَ يُنَاسِبُ شرحَ اسمٍ من الأسماءِ الحسنَى، كالكلامِ في الحمدِ وسَعَتِهِ وشُمُولِهِ وبيانِ طُرُقِ حمدِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، كلُّ ذلكَ يُنَاسِبُ شرحَ اسمِ ((الحميدِ))، وهكذا بَقِيَّةُ الأسماءِ.
ثمَّ قُمْتُ بتصنيفِ القسمِ الأوَّلِ حَسَبَ ما تيَسَّرَ لي جمعُهُ إلى سبعةٍ وعشرينَ باباً. وهذا بيانُها:
البابُ الأوَّلُ: في بيانِ أنَّ أفضلَ العلمِ: العلمُ بأسماءِ اللَّهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلْيَا.
البابُ الثانِي: في بيانِ ما يُفْضِي إليهِ العلمُ بأسماءِ اللَّهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلْيَا من المراتبِ العاليَةِ والمعارفِ الجليلَةِ.
البابُ الثالِثُ: في بيانِ أنَّ التفَكُّرَ في آياتِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ دليلٌ إلى معرفةِ اللَّهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ.
البابُ الرابِعُ: في ذكرِ بعضِ ما تضمَّنَتْهُ سورةُ الفاتحةِ من المعارفِ الجليلةِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الخامِسُ: في بيانِ دَلالةِ قولِ اللَّهِ تعالى: (ليس كمثله شيء) على ثبوتِ صفاتِ الكمالِ للَّهِ عزَّ وجلَّ.
البابُ السادِسُ: في بيانِ دلالةِ قولِ اللَّهِ تعالى: (ولله المثل الأعلى) على تفرُّدِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ بصفاتِ الكمالِ.
البابُ السابِعُ: في بيانِ ما تضمَّنَهُ حديثُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ... )) منْ فوائدَ جليلةٍ ولطائفَ بديعةٍ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الثامِنُ: فيما دلَّ عليهِ قولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ... )) من الفوائدِ الجليلةِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ التاسِعُ: في بيانِ دلالةِ الشريعةِ المُحْكَمَةِ على أسماءِ اللَّهِ الحسنى وصفاتهِ العُلَى.
البابُ العاشِرُ: في بيانِ دلالةِ العقلِ على ثبوتِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الحاديَ عشَرَ: في بيانِ أنَّ أسماءَ اللَّهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى تقتضي كمالَ الربِّ جلَّ جلالُهُ، وتستلزمُ توحيدَهُ وتفَرُّدَهُ بها.
¥