تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من الصواب, فأسلم له الرأي الصائب, وأرد عليه القول الزائف, ولا أدع صاحب الكتاب يتكلم وحده. (فضحك الدكتور إعجابا بهذه الكلمة). ثم قلت: وما وجدت كتابا يصف النفس البشرية بما فيها من خير وشر, ويصف هذا المجتمع الإنساني بما فيه من حسنات وسيئات مثلما يصفهما القرآن الحكيم. واستشهدت بآيات كريمة على صحة هذا القول. ثم قلت لرفيقي الاسباني: وهنا قال: قد كنت لا أعرف شيئاً عن الأدب العربي, ولا أعرف هذا القرآن. وكنت معجبا بالحكيم ديكارت والعلامة باسكال ولا أكاد أعجب بشيء سواهما, غير أني صرت الآن شديد الإعجاب بهذه الفلسفة الاجتماعية التي يصفها القرآن, واني لا بد سأشتري في القريب العاجل مصحفا كريما, وطائفة من التراجم والتفاسير أستعين بها على فهم القرآن.

فقلت له: ولا تنس يا دكتور أن القرآن لا يترجم.

قال: ولماذا؟ قلت: ما من ترجمة للقرآن إلا وفيها من الأغلاط السخيفة المضحكة ما لا يعد ولا يحصى. فترجمة فرنسية طبعتها الحكومة على نفقتها وتعتبر رسمية ترجمت قوله تعالى: (القارعة ما القارعة) بقولها: (القرعة ما القرعة!) وغير ذلك من المضحكات.

وأذكر أن وزارة الخارجية بباريس أدركت قصور هذه التراجم وفسادها, فندبت عالماً فرنسياً- نسيت اسمه- وكلفته بوضع ترجمة للقرآن الكريم تكون غاية في المطابقة والإتقان. وباشر هو عمله هذا, واستعان عليه بأعوان آخرين، أكب على ذلك أمداً طويلا, ثم أخرج ترجمة لسورة الفاتحة ولآيات من سورة البقرة وقدمها بمقدمة قال فيها

" ... لأجل أن نفهم القرآن يجب علينا أن نقرأه في اللغة العربية نفسها, لأنه لا يمكن أن يترجم بحال. وأسباب ذلك كثيرة ولكنها ترجع في أهميتها إلى سببين اثنين:

أحدهما: في طبيعة اللغة الفرنسية, والآخر في طبيعة اللغة العربية.

فأما الأول فهو أن اللغة الفرنسية لم تكن في يوم من أيام حياتها لغة دينية لا في"ذوقها"ولا في فصاحة أساليبها, والقرآن كتاب دين. ولو أن الله أنزل كتاباً دينياً فرنسياً يكون المثل الأعلى للفصاحة في اللغة الفرنسية كما كان القرآن المثل الأعلى للفصاحة العربية, لوسعنا إذن أن نقول: إن ترجمة القرآن ترجمة صحيحة مطابقة وان كانت عسيرة فهي ممكنة على كل حال.

وأما السبب الثاني فهو أن اللغة العربية- ولا سيما في القرآن- غنة (أو نغمة موسيقية) يؤدى بها كثير من المعاني الرائعة الجميلة التي ربما كانت سبباً في أكثر ما في أسلوب القرآن من بلاغة وإعجاز. وهذه الغنة لا تمكن ترجمتها أبداً .. "

فقال الدكتور ساي: هذا كلام صواب لا غبار عليه, وأمر واقع لا ريب فيه, وحق أن هذا القرآن كتاب عظيم, ولا ينبغي لأحد أن يتركه دون أن يدرسه. ولقد أغراني حديثك هذا بالقرآن وشوقني إليه, وسأدرس القرآن وأتدبره وأحسبه سيغير كثيراً من أفكاري وآرائي في الفلسفة والأدب والاجتماع وقال: إني أتعجب من هؤلاء الغربيين الذين ملأوا الدنيا بأقوالهم عن القرآن, كيف أعماهم- مع ذلك-التعصب المسيحي أو اللاديني, ومنعهم من أن يتفقهوا بما في القرآن من هدى وحكمة وأرى أن حتما واجباً على المسلمين أن يبشروا البشرية كلها بهذا القرآن الذي هو كتاب الإنسانية كلها. وأرى أن في المسلمين كفاءة تامة للقيام ببيان تعاليم الإسلام, ونشرها بين الناس جميعا.

وما وصلت من حكاية حديثي إلى هنا حتى قال رفيقي الإسباني: لقد صدق الدكتور ساي هذا, وإني أيضاً سأشتري مصحفاً كريماً, وأشتري طائفة من التراجم والتفاسير لأقتبس من نور القرآن الكريم, وقد صرت من الآن أحبه وأميل اليه ثم (الاسباني):ولكن أخبرني عن أدباء العربية في هذا العصر, فهل هم كلهم ينظرون إلى القرآن بمثل العين التي تنظر بها أنت إليه, ويرونه في الأدب العربي بمكان الروح من الجسد ويعرفون بأنه هو مفخرة الفصاحة وسحر البيان؟ فقلت له: إن أدباء العربية اليوم ينظرون إلى القرآن بعين أنا قاصر أن أنظر إليه بها, ومن أدباء النصارى العرب من لا يتردد في اعتقاد هذه المنزلة للقرآن. ولكن ناساً آخرين من أدبائنا, قد تأدبوا بأدب غير عربي, وتثقفوا بثقافة لا إسلامية, ولا شرقية, فأحدثوا جلبة في الصحف والمجلات, وثاروا على كل شيء شرقي قديم أدباً كان أو غير أدب, وسموا أنفسهم"مجددين" " وأنصار" "الجديد"وهؤلاء قد يمنعهم تعصبهم أو جهلهم عن النظر في القرآن وقد لا يعرفون ما فيه من الإعجاز. هم ينكرون على الشرق كل ما فيه من شيء قديم,

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير