وهؤلاء إذا ذُكِرَت أمامهم فضائل معاوية وأنه كان كاتب الوحي قالوا قد كان الربيع بن العاص من كتبة الوحي ثم ارتد على أعقابه. ما ضربوه إلا جدلاً] بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [[الآية 58 من سورة الزّخرف] فإن معاوية لم يرتد.
بل قد بقي طيلة عهد الخلفاء الأربعة واليًا على الشام ولاّه خير البشر بعد الأنبياء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وكان خليقا بالولاية جديرا بها. ومجرد ذمه يُعتَبَرُ ذمًّا موجها إلى الخلفاء الذين كانوا يرون فيه الأمانة والكفاية للولاية. قال الذهبي: «حسْبُك بمن يؤمِّره عمرُ ثم عثمانُ على إقليم (وهو ثغر) فيقوم بمهمته أتمَّ قيام ويُرضي الناس بسخائه وحلمه» [سير أعلام النبلاء 3/ 132].
قال ابن حجر الهيتمي: «وإذا تأملت عزل عمر لسعد بن أبي وقاص الأفضل من معاوية بمراتب، وإبقائه لمعاوية على عمله من غير عزل له: علمتَ بذلك أن هذه تنبئ عن رفعة كبيرة لمعاوية» [تطهير الجنان 21].
هذا الموقف من النووي وابن حجر واضح في أن التعرض لما جرى بين الصحابة وشجر بينهم والطعن في بعضهم ليس من منهج أهل السنة، ولو كان النووي وابن حجر يريان في معاوية ما يراه أعداء معاوية ما رأيا ضرورة توضيح هذه الآثار. ويكفينا أن نعلم أن الانحراف بدأ عند الشيعة بسبِّهم الصحابة وآل بعد ذلك إلى كمٍّ من الانحرافات كالقول بالمتعة والتقية واعتقاد التحريف في القرآن ورفض كتب الحديث كالبخاري ومسلم.
ومن فضائل معاوية التي لا يجوز نسيانها أنه فتح الشام كلها، ومنها لبنان وقبرص. ولولا ذلك لكان شاتموه اليوم إما يهودًا وإما نصارى، مع أن عبد الله المبارك اعتبرهما خيرًا من منكري علو الله، وقال عن الجهمية: شر من اليهود والنصارى. وأشار البخاري إلى هذا في خلق أفعال العباد، فكيف إذا أضيف إلى ذلك سب الصحابة والاعتكاف عند الأضرحة والحيل على الله وفتاوى السوء التي يستدرجون بها العوام نحو الرذيلة والفاحشة!.
والصحابة بشر وليسوا معصومين، وإذا كان الرسول r يقول: «إنما أنا بشر فأيما امرئ ساببته ... » مما يعتري النفس البشرية من ثورة وغضب مع أنه نبي، فحصوله من غير الأنبياء من باب أولى، وقد وقع بين الصحابة شجار وسباب لا يجوز أن يستغله الصائدون في الماء العكر ويجيرونه لتأييد عقائدهم الخبيثة، بل نسكت عما شجر بينهم، فإن ستر عورات الصحابة أولى من ستر عورات عامة المسلمين. والسباب من باب ما يقع للأقران مما يجب الإعراض عنه مثلما يحدث بين العلماء الأقران بين بعضهم البعض. وهو ليس شيئًا أمام القتال وقد تقاتلوا.
ثالثا: أما ما اشتهر من قصة النسائي أنه خرج حاجا فسئل عن فضائل معاوية فأجاب بأنه لم يجد له فضيلة إلا حديثا «لا أشبع الله بطنه». فقد تقدم أن هذا الحديث فضيلة لمعاوية.
وأما ما عداه من الفضائل فقد ثبت دعاء النبي r لمعاوية عند غير البخاري وفيه: «اللهم اجعله هاديًا مهديًا، واهده، واهد به» (وقد أخرجه البخاري في التاريخ 4/ 1/327 وابن عساكر في تاريخه 2/ 133/1) ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وحكم عليه الألباني بالصحة وذكر تحسين الترمذي له في (سننه 3842) وذكر له خمسة طرق صحيحة وقال: «وبالجملة فالحديث صحيح وهذه الطرق تزيده قوة» [السلسلة الصحيحة 4/ 9691] مستدركًا بذلك على تضعيف الحافظ له.
ومنها هذا الحديث «أخبرنا عبد الله بن قحطبة حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري وأحمد بن سنان قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن معاوية بن صالح عن يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عن أبي رهم السمعى عن العرباض بن سارية السلمي قال: «سمعت رسول الله e يقول اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب» (صحيح ابن حبان16/ 192 وابن خزيمة في صحيحه3/ 214 والطبراني في المعجم الكبير18/ 251 وأحمد في المسند4/ 127 وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم3227).
ويؤكد ابن حجر الهيتمي وجود فضائل صحيحة لمعاوية متعقبا من قال بأن البخاري لم يجد في فضائل معاوية شيئًا بأنه «إن كان المراد أنه لم يصح منها شيء وفق شرطه فأكثر الصحابة كذلك» (تطهير الجنان عن التفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان 11 - 12).
ولكن روى البخاري وصف ابن عباس لمعاوية بأنه فقيه.) ولكن المنافقين لا يفقهون (كما قال تعالى. وهذه شهادة من ابن عباس لمعاوية وهو من أهل بيت النبي e.
وأما إذا لم يكن يرى النسائي لمعاوية فضلا فقد كان أحمد يرى لمعاوية فضلا كما حكاه ابن الجوزي (مناقب الإمام أحمد ص164). وكان البخاري والشافعي وسائر أئمة هذه الأمة يترضون عن معاوية. وهذا من حدا بالحافظ الذهبي وغيره إلى وصف النسائي بأنه كان فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي رضي الله عنه (سير أعلام النبلاء14/ 133).
ـ[أبو طلحة الحضرمي]ــــــــ[06 - 09 - 08, 03:29 م]ـ
جزاك الله خيرًا يا شيخنا أبا عبيدة
ونفع الله بك وبعلمك.
¥