وبما سبق يتبين بطلان قول ابن باديس – عفا الله عنه - في مسألة التوسل، و من أراد التوسع لمعرفة الأدلة السَّلفية والردود الأثريَّة في رد شبه المخالفين المجيزين للتوسل البدعي فعليه بالمراجع التالية – على سبيل المثال لا الحصر- وهي:
- كتاب: (قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى –.
- كتاب: (التوصل إلى حقيقة التوسل) لفضيلة الشيخ محمد نسيب الرفاعي – رحمه الله تعالى – بتقديم الشيخ العلامة إسماعيل الأنصاري – رحمه الله تعالى -.
- كتاب: (التوسل، أنواعه و أحكامه) للشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله تعالى -.
التنبيه الثاني:
[تأويله صفة الحياء و الإعراض لله - جل وعلا -]
قال الشيخ ابن باديس – رحمه الله تعالى - ص (68):"فاستحيا الله منه: ترك عقابه ولم يحرمه من ثواب، أعرض: التفت إلى جهة أخرى فذهب إليها. فأعرض الله عنه: حرمه من الثواب ".اهـ
أقول و بالله التوفيق:
"يوصف ربنا سبحانه وتعالى بالاستحياء و الإعراض كما في النصوص الشرعية على وجه لا نقص فيه؛ بل على الوجه اللائق من غير تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل. ولا يجوز تأويلهما بغير معناهما الظاهر من لوازمهما و غير ذلك، بل الواجب إثباتهما لله عز وجل على الوجه اللائق بجلاله و كماله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل" [2]:
قال فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك كما في (تعليقاته على المخالفات العقدية في فتح الباري): " قوله: (فاستحيا الله منه أي رحمه)، وقوله: (فأعرض الله عنه أي سخط عليه): في هذا التفسير للاستحياء والإعراض من الله عدول عن ظاهر اللفظ من غير موجب، والحامل على هذا التفسير عند من قال به هو اعتقاده أن الله لا يوصف بالحياء أو الإعراض حقيقة؛ لتوهم أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه، وليس كذلك بل القول في الاستحياء والإعراض كالقول في سائر ما أثبته الله عز وجل لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات، والواجب في جميع ذلك هو الإثبات مع نفي مماثلة المخلوقات، وقد ورد في الحديث: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا) "أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه".
وفي ذكر الاستحياء والإعراض في هذا الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل، وشواهده كثيرة ". اهـ
التنبيه الثالث:
[تكفير بكبائر الذنوب موافقا بذلك المعتزلة وغيرهم]
قال الشيخ ابن باديس – رحمه الله تعالى - ص (126):" أما الذي يجاهر بمعصيته ويعلن بها، فهذا قد تعدى على مجتمع الناس بما أظهر من فساد، وما أوجد من قدوة سيئة، وما عمل بمجاهرته على شيوع الفاحشة فيهم، وقد تعدى على الشرع بما انتهك من حرمته، وجرأ من السفهاء عليه، وهو بمجاهرته قد دل على استخفافه بحق الله وحق عباده وعلى عناده للدين، وخلو قلبه من الخوف والحياء، وأي إيمان يبقى بعدهما".اهـ
أقول و بالله التوفيق:
يفهم من كلام ابن باديس أن المجاهر بالمعصية والمعلن بها دليل على استخفافه بحق الله و حق عباده وعناده للدين وبهذا لا يبقى إيمان في قلبه ولا خوف ولا حياء؛ وهذا تكفير بالمعاصي واضح منه – عفا الله عنه – وافق به مذهب الخوارج و المعتزلة، فمن عقيدة أهل السنة و الجماعة أنهم لا يكفرون بمطلق المعاصي ولا المجاهرة بها إلاَّ إذا استحلها استحلالا عقديا لا عمليا، كما هو مقرر في عقائد أهل السنة و الجماعة أتباع السلف الصالح:
ـ قال شيخ الإسلام الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى و أجزل له الثواب – كما في كتابه (الكبائر): " ولهما – أي البخاري و مسلم - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا بالليل، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، وأصبح يكشف ستر الله عليه)) ".
كل أمتي معافى: من العافية وهو إما بمعنى عفا الله عنه وإما سلمه الله.
والمجاهر: الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث بها.
قال النووي: إن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به.
قال ابن بطال: وفي الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم.
¥