وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها وستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره، ومن قصد الستر بها حياء من ربه ومن الناس من الله عليه بستره إياه ".اهـ
أخي القاري؛ لم يظهر من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى – ونقولاته عن بعض الحفاظ من شُرَّاحِ الحديث كالنووي و ابن بطال؛ أن المجاهر بالمعصية باستخفافه يكفر ويخلو قلبه من الخوف والحياء، بله خلوه من الإيمان كما صرح ابن باديس عقب كلامه عن المجاهر بالمعصية في قوله: "وأي إيمان يبقى بعدهما " (!)، بل غاية ما قالوا أن الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم ومن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها أغضب ربه فلم يستره .. إلى غير ذلك من الشرحات والمعاني والفوائد على الحديث التي لم يُذكر منها – فيما علمتُ- التكفير بالاستخفاف وخلو القلب من الإيمان و الحياء و الخوف كما ظهر من كلام ابن باديس - رحمه الله وغفر له زلاته - موافقا بذلك الخوارج و المعتزلة ونحوهم ممن كفر بكبائر الذنوب، فينبغي التنبه و التنبيه لذلك، والله أعلم.
التنبيه الرابع
[للعبادة خلقنا وليس للحياة .. ]
قال ص (145):"لا يا قوم، إننا أحياء، وإننا نريد الحياة، وللحياة خلقنا، وان الحياة لا تكون بالخبز وحده .. "
أقول و بالله التوفيق:
قول ابن باديس ((وللحياة خلقنا)): غلط وهو قول باطل مخالف لقول الله - جل وعلا -: ((وما خلقت الجن و الإنس إلاَّ ليعبدون))، وقد تسمح ابن باديس في إطلاقه – عفا الله عنه -:
ـ قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى – كما في تفسيره: " قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها وهذا اختيار ابن جرير. وقال ابن جُرَيْج: إلا ليعرفون. وقال الربيع بن أنس: {إِلا لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا للعبادة. ".اهـ
ـ وقال فضيلة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري كما في (أيسر التفاسير): " وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} أي لم يخلقهما للهو ولا للعب ولا لشيء وإنما خلقهما ليعبدوه بالإِذعان والتسليم لأمره ونهيه ".اهـ
التنبيه الخامس
[قوله في أحاديث الآحاد الصحيحة وأنها ظنية]
قال الشيخ ابن باديس – رحمه الله تعالى - ص (161):"وخبر الآحاد- من حيث ذاته- يفيد الظن وإن كان صحيحا ".اهـ
أقول و بالله التوفيق:
لقد وافق ابن باديس – رحمه الله تعالى - أهل البدع من المعتزلة و المتكلمين الأشاعرة وغيرهم على أنَّ أخبار الآحاد – الصحيحة - لا تفيد العلم وإنما تفيد الظن ولهذا رد الاستدلال بحديث الآحاد في العقيدة بحجة أنه يعارض القطعي من القرآن الكريم كما في صحيفة (54) و صحيفة (373) [3] من تفسيره (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)، وقد رد الكثير من علماء أهل السنة و الجماعة هذا القول:
ـ قال ابن أبي العز – رحمه الله تعالى - كما في (شرح العقيدة الطحاوية): " وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا له يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة وهو إحدى قسمي المتواتر، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع ". اهـ
ـ و قال الإمام الحافظ بن عبد الهادي- رحمه الله تعالى- كما في (الصارم المنكي في الرد على السبكي): " وأي تنقص فوق من عزل كلام الرسول عن إفادة اليقين".اهـ
ـ وقال الإمام الحافظ ابن القيم الجوزية – رحمه الله تعالى - كما في (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة): " خبر العدل الواحد المتلقي بالقبول لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم- فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادتهم زوراً وقولاً على الله ورسوله بغير علم ولعمر الله هذا حقيقة قولهم وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها.
¥