قلت: هذه هي الحقيقة – وإن كانت مرّة عند البعض -، فلم يجنِ العالم الإسلامي - بل العالم كله - من الفلسفة والتفلسف سوى المزيد من النزاعات والحيرة والتشكيكات؛ لأنها أقحمت نفسها في جوانب كثيرة من مسائلها في مجال ليس مجالها، مجالٍ لا يمكن التعرف عليه عن غير طريق الوحي الإلهي؛ ولهذا ضلت وأضلت، وقد قال تعالى منبهًا أهل الإسلام أن لا يتبعوا أثرهم: {ولا تقفُ ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}.
ولم يتقحم " قلة " من شبابنا هذا الطريق - للأسف - إلا محبة للتفرد والتميز على أقرانهم، وامتثالا لمقولة " وإني لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل " .. وللأسف أن يكون هذا على حساب دين المرء وعقيدته. فليتقِ الله هؤلاء أن يكونوا ممن قال الله عنهم: (ليحملوا أوزارهم وأوزارًا من أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء مايزرون) .. وليُسخروا كتاباتهم وجهودهم – إن كان عندهم شيئ من حب التميز والتفرد – فيما ينفع الأمة؛ من مجالات العلم المفيد: الرياضي والطبي والتقني ... الخ، فهذا خيرٌ لهم في الدنيا والأخرى.
ولبيان أن الفلسفة حشرت نفسها في أمور لا تُعرف إلا بالوحي، يُقال:
- أهم مباحث الفلسفة – كما يقول الدكتور عرفان عبدالحميد فتاح في رسالته " المدخل إلى معاني الفلسفة " (ص 2734باختصار):
(أولاً: مباحث الوجود "الميتافيزيقا" – الانطولوجيا:حيث يبحث الفيلسوف في أصل العالم وصفة هذا الأصل وعدده: هل الأصل المنشئ للموجودات عنصر واحد "المذاهب الواحدية"، أم عنصران "المذاهب الثنائية"، أم متعددة وكثيرة مذاهب التعدد؟
وما طبيعة هذا العنصر أو العناصر التي تقوّم بها الأشياء، أهو مادي خالص فلا شيء في الوجود غير المادة، وأن الحركة والحياة، وغيرهما مما يظن البعض أنها تشهد بوجود النفس أو الروح ليست في الحقيقة إلا وظيفة من وظائف المادة التي تتميز بطبيعتها بالتنوع والحركة والقوة والتفكير " المذهب العقلي "، أم روحي خالص " المذهب الروحي"؟
وهل هذه المادة الجوهرية المنشئة للأشياء قديمة أزلية أبدية فلا شيء يكون عن عدم، ولا شيء مما هو موجود ينتهي إلى العدم " المذهب الإلحادي "، فيمتنع القول بالخلق والحدوث، بل وبالخالق المبدع المصور للأشياء أيضاً؟ أم أن الموجودات سواء كانت من طبيعة مادية أو عقلية أو روحية لها بداية في الزمان، فهي مخلوقة حادثة خلقتها إرادة عليها، تعلم ما تفعل وتخلق ما تشاء " مذهب التأليه"؟
وهل الموجودات في تغير متصل وسيلان دائم، يستحيل معه الدوام المطلق والمؤقت والنسبي، أم أن الأشياء والموجودات: واحد، كل ثابت، وأن التغير عرضي فيها.
وإذا كان العالم مخلوقاً لله: فما صلة الإله الخالق بالعالم المخلوق؟ هل خلقه وركز فيه قوانينه ثم تركه وشأنه .. الخ.
ثانياً: مباحث المعرفة " الابستمولوجيا:ينصرف الفلاسفة في هذا المبحث إلى دراسة: المعرفة الإنسانية وهل هي ممكنة؟ أم ممتنعة. وإذا كانت ممكنة، فما حدود هذه المعرفة، أهي احتمالية ترجيحية، أم يقينية ومطلقة، وما وسائل اكتسابها، وما طبيعتها. وإذا كانت المعرفة ممكنة. فما مصدرها وما طبيعتها ووسيلة اكتسابها: أهي معارف مصدرها العقل الذي فيه مبادئ فطرية موروثة لم تشتق من تجربة، أم أن المعارف مصدرها الحس، أم أن مصادر المعرفة هي الحس والعقل معاً، أم أن مصدر المعرفة اليقينية لا الحس ولا العقل وإنما: الذوق الباطني والتجربة الروحية، والكشف والإلهام والبصيرة؟!
ثالثاً: مباحث القيم " الأكسيولوجيا:وفيها ينصرف الفكر إلى دراسة القيم الأخلاقية؛ مثل: الحق والخير والجمال، وهل هذه القيم: مبادئ ومثل مجردة، عامة غير مشخصة؛ تتجاوز الزمان والمكان؛ ومن ثم فهي: أزلية أبدية متغيرة؟ أم أن ما يسمى بالقيم المطلقة، ليست إلا عوائد وضعية، وعادات اجتماعية وانفعالات شخصية ومشاعر ذاتية ووجدانية فردية؟ وإذا كانت ثمة قيمة مطلقة، فهل هي "عينية موضوعية"؛ بمعنى أن لها وجوداً مستقلاً عن العقل الذي يدركها؛ وأن الأشياء والموجودات لها صفات ذاتية لازمة لها، وأن مهمة العقل الكشف عنها بالرؤية المباشرة وبالحدس، أم أن هذه القيم ليس إلا معان تتبع الإرادة الإلهية فالحُسْنُ ما أمر به الله وأراده، والقبح ما نهى عنه الله ولم يرده؛ لأن العقل عاجز
¥