فكرت إذن في اختلاف الآراء، أو في هدم بعضها البعض في مواجهة كل ما يقوله الأساتذة وكنت أقول في نفسي- في مواجهة كل أستاذ- سيهدمك المعاصرون لك، وسيهدمك الذين يأتون من بعدك. ولكني في مواجهة كل هذه الآراء الإلحادية- كنت أتشبث بيقين لا شك فيه. كنت أقول في نفسي: إذا كانت الأخلاق نسبية، فهل سيأتي الزمن الذي نعتقد فيه: أن الصدق رذيلة أو أن الشهامة شر، أو أن الشجاعة سوء، أو أن العفة جريمة. . أو أن كذا، أو كذا. . ثم أعود إلى نفسي فأقول: كلا. . .
- وأتساءل من جديد في مجال العقائد: هل سيأتي اليوم الذي لا نقول فيه بوحدانية الله؟ أو لا نقول فيه بإرادته وعلمه؟
- وأعود إلى نفسي وأقول: كلا. . .
- كنت أحاول دائما أن أردد أن هؤلاء القوم يسيرون في طرق لا تنتهي إلى غاية.
ما هدفهم من ذلك؟
- وما كنت أجد الإجابة عن هذا السؤال آنئذ، لكن عرفت فيما بعد أن هذا هو المنهج اليهودي الذي رسموه بعد تفكير طويل، والتزموا به بكل الوسائل، أو بكل الطرق، وهو منهج التشكيك في القيم والمثل والعقائد والأخلاق.
يستخدمون هذا المنهج في المجالات المختلفة لإفساد المجتمعات وتحللها أخلاقيا ودينيا، ويضيفون إليه العمل على إثارة العمال على أصحاب رؤوس الأموال، وعلى إيجاد الضغائن والفتنة بين مختلف فئات الشعوب، والثمرة التي يعملون دائبين على الوصول إليها: أن يكون المجتمع شاكا مليئا بالفتن، وذلك سبيلهم إلى السيطرة.
إن اليهود يهدفون من وراء كل ذلك إلى السيطرة على العالم، إنهم يحطمون القيم والمثل حتى لا يكون في المجتمعات قوة من عقائد، أو قوة من خلق، ومن أجل ذلك تكاتفوا على أن تكون لهم الكلمة الأولى في الجامعات في علم الاجتماع وفي علم النفس، وفي مادة الأخلاق، وفي تاريخ الأديان، ولم يكن من السهل علي أثناء هذه الدراسة الاستمساك الواثق بالقيم والمثل التي نشأت عليها، لولا عون الله سبحانه، وتوفيق منه، ولولا لطف الله لصرت كواحد من هؤلاء الألوف الذين يدرسون في الجامعات الأوروبية ثم يخرجون منها، وقد تحطمت في نفوسهم المثل الدينية الكريمة.
- وانتهيت من هذه الدراسة، ثم كانت المرحلة التالية هي مرحلة " الدكتوراه ".، وبعد تجارب هنا وهناك في مجالات مختلفة من الموضوعات، وبعد تردد بين هذا الموضوع أو ذاك- هداني الله- وله الحمد والمنة- إلى دراسة (الحارث بن أسد المحاسبي) ولم يكن ذلك مصادفة، وإنما هي هداية وتوفيق من الله سبحانه وتعالى، وهي عناية أعجز عن شكر الله سبحانه وتعالى عليها.
- وانتهيت من دراسة" الدكتوراه" وأنا أشعر شعورا واضحا بمنهج المسلم في الحياة، وهو منهج:"الاتباع".
إن ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول كلمة موجزة عن هذا المنهج كأنها إعجاز من الإعجاز، إنه يقول: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ". وهي كلمة حق وصدق ثرية بالمعاني الطويلة العريضة، يبرهن آخرها على أولها، والنهي في وسطها يبرهن عليه أيضا آخرها: أي اتبعوا فقد كفيتم، والكافي هو الله سبحانه وتعالى الذي أوحى الشرع والأصول والقواعد، وطبق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كل ذلك وبينه، فكان تطبيقه مقياسا وبيانا ومرجعا يرجع إليه المختلفون.
" ولا تبتدعوا فقد كفيتم": إن الذي يبتدع هو من لا كفاية له، ولكن الله - سبحانه وتعالى- بعد أن أكمل الدين، وأتم النعمة، فليس هناك من مجال، ولا من حاجة إلى الابتداع. لقد كفانا الله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- كل ما أهمنا من أمر الدين. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
وبعد أن وقر هذا المنهج في شعوري واستيقنته نفسي أخذت أدعو إليه: كاتبا ومحاضرا ومدرسا ثم أخرجت فيه كتابا خاصا هو كتاب:" التوحيد الخالص، أو الإسلام والعقل ".
وما فرحت بظهور كتاب من كتبي مثل فرحي يوم ظهر هذا الكتاب، لأنه من خلاصة تجربتي في حياتي الفكرية.
وهذا المنهج يفترض:
1 - مقاومة الغزو الفكري:
¥