ولا شك أيضا أن ابن رشد والاستاذ فودة واهل الكلام وكل من تكلم بهذه الألفاظ المحدثة قد خالف ما ذكره ابن رشد موقف الشريعة من هذا اللفظ أو هذه الصفة ولكن ابن رشد يرى أن ثمة اتصال بين الحكمة والشريعة فهو يحاول أن يوفق بين الموقفين من وجهة نظره أما الأشاعرة وأهلالكلام فتزعم أن هذا النفي هو الموقف الشرعي التي دلت عليه نصوص الشريعة.
وأيا كان موقف ابن رشد من محاولة التوفيق بين النظرتين كما قرر ذلك في بعض كتبه ككتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال وغيره فالذي يهمنا هو نظرته كفقيه وعالم شرعي مجتهد يقرر بوضوح موقف الشريعة من هذه اللفظ وهو السكوت وعدم التعرض له بالنفي أو الإثبات في حق الله عز وجل.
- مع التحفظ على صحة القول بأن ظواهر نصوص الشريعة تدل على الجسمية أو أنها أقرب لإثبات هذه الصفة منه إلى نفيها فهذا يشترك معه أهل الكلام فهم يقررون أن التمسك بظواهر هذه النصوص يلزم منه التجسيم ولذا تجدهم في تخبط تام تجاه هذه النصوص فمنهم مؤول لها ومنهم مفوض مع اتفاقهم أن المعنى المستفاد من الظاهر غير مراد لأنه يدل على التجسيم.
ويرى ابن رشد بمنظور الشريعة كفقيه أن مخاطبة العامة لا يكون إلا بما دلت عليه نصوص الشريعة لأنها أقرب إلى فطرهم في إثبات الموجودات الغائبة على وفق ما يشاهدونه ولان مخاطبة العامة بما عليه الفلاسفة وغيرهم من أهل الكلام قد يكون مدعاة لتكذيب الشريعة.
- ولنا في هذا شهادة من ابن رشد بأن صفة الجسمية التي يدندن حولها الأستاذ وغيره قد شهد هذا العالم بأنه مسكوت عنها في الشريعة وهذا يعني عدم التعرض لإثباتها أو نفيها،مما ينفي زعم الأستاذ وشيعته تفرد ابن تيمية بهذا التقرير.
- ومما نؤكده هنا أن التجسيم المقصود في كلام ابن رشد هو المعنى بإثبات الصفات كاليد والوجه والقدم وغيرها من الصفات لا بمعنى التركيب والتحيز وفرض الأبعاد الذي يحاول الأستاذ فودة ان يحشره في ثنايا كلامه وهذه النكتة من يفهمها جيدا فقد فهم مراد ابن تيمية من تعليقه على كلام ابن رشد كما سيأتي ولننقل كلام ابن تيمية من أوله حتى يقف الجميع على سياقه وما حاول الأستاذ جاهدا إخفاءه:
قال ابن رشد الفيلسوف:
( .. فإن قيل فما تقول في صفة الجسمية هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق أو هي من الصفات المسكوت عنها فنقول إنه من البين من أمر الشرع أنها من الصفات المسكوت عنها وهي إلى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها وذلك أن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذاك من الصفات التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق إلا أنها في الخالق أتم وجودا ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقدوا في الخالق أنه جسم لا يشبه سائر الأجسام وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم والواجب عندي في هذه الصفة أن يجري فيها على منهاج الشرع فلا يصرح فيها بنفي ولا إثبات ويجاب من سأل عن ذلك من الجمهور بقوله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وينهى عن هذا السؤال
وذلك لثلاثة معان أحدها:
أن إدراك هذا المعنى ليس هو قريبا من المعروف بنفسه برتبة واحدة ولا برتبتين ولا ثلاثة وأنت تتبين ذلك من الطريق التي سلكها المتكلمون في ذلك فإنهم قالوا إن الدليل على أنه ليس بجسم أنه قد تبين أن كل جسم محدث وإذا سئلوا عن الطريق التي بها يوقف على أن كل جسم محدث سلكوا في ذلك الطريق التي ذكرناها في حدوث الأعراض وأن مالا يتعرى من الحوادث حادث وقد تبين لك من قولنا أن هذه الطريقة ليست برهانية ولو كانت برهانية لما كان في طباع الغالب من الجمهور أن يصلوا إليها
وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانهله ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسمأكثر مما ينفون عنه الجسميةبدليل انتفاء الحدوث عنه فهذا هو السبب الأول في أنه لم يصرح الشرع بأنه ليس بجسم.
وأما السبب الثاني:
¥