تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قال قائل فإذا لم يصرح الشرع للجمهور لا بأنه جسم ولا بأنه غير جسم فما عسى أن يحاجوا به في جواب ما هو فإن هذا السؤال طبيعي للإنسان وليس يقدر أن ينفك عنه وكذلك ليس يقنع الجمهور أن يقال لهم في موجود وقع الاعتراف به أنه لا ما هية له لأن مالا ماهية له لا ذات له والموجود عند الجمهور إنما هو المحسوس والمعدوم عندهم غير المحسوس والنور لما كان أشرف المحسوسات وجب أن يمثل به أشرف الموجودات وهنا أيضا سبب آخر موجب أن يسمى به نور وذلك أن حال وجوده في عقول العلماء الراسخين في العلم عند النظر إليه بالعقل هي حال الأبصار عند النظر إلى الشمس بل حال عيون الخفافيش وكان هذا الوصف لائقا عند الصنفين من الناس

وأيضا فإن الله تبارك وتعالى لما كان سبب الموجودات وسبب إدراكنا لها وكان النور مع الألوان هذه صفته أعني أنه سبب وجود الألوان بالفعل وسبب رؤيتنا له فالحق ما سمى الله تبارك وتعالى نفسه نورا وإذا قيل إنه نور لم يعرض شك في الرؤية التي جاءت في المعاد فقد تبين لك في هذا القول موجودا الاعتقاد الأول الذي في هذه الشريعة في هذه الصفة وما حدث في ذلك من البدعة وإنما سكت الشرع عن هذه الصفة لأنه لا يعترف بموجود في الغائب ليس بجسم إلا من أدرك ببرهان أن في المشاهد بهذه الصفة وهي النفس ولما كان الوقوف على معرفة هذا المعنى من النفس مما لا يمكن الجمهور فيهم أن يعقلوا وجود موجود ليس بجسم فلما حجبوا عن معرفة النفس علمنا أنهم حجبوا عن معرفة هذا المعنى من الباري سبحانه وتعالى ... ) ا. هـ

قلت (أي ابن تيمية):

وقد تبين في هذا الكلام أنه في الباطن يرى رأي الفلاسفة في النفس أنها ليست بجسم وكذلك في الباري غير أنه يمنع أن يخاطب الجمهور بهذه لأنه ممتنع في عقولهم فضرب لهم أحسن الأمثال وأقربها كما ذكره في اسم النور وهذا قول أئمة الفلاسفة في أمثال هذا من الإيمان بالله واليوم الآخر وقد بين بالحجج الواضحة أن ما يذكره المتكلمون في النفي مخالف للشريعة وهو مصيب في هذا باطنا وظاهرا وقد بين أن ما يذكره المتكلمون في نفي الجسم على الله بحجج ضعيفة وبين فسادها وذكر أن ذلك إنما يعلم إذا علم أن النفس ليست جسما ومعلوم أن هذا الذي يشير إليه هو وأمثاله من المتفلسفة أضعف مما عابه على المتكلمين فإن المتكلمين أفسدوا حججهم هذه أعظم مما أفسدوا به حجج المتكلمين فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم مع أن دعوى الفلاسفة أن النفس ليست بجسم ولا توصف بحركة ولا سكون ولا دخول ولا خروج وأنه لا يحس إلا بالتصور لا غير يظهر بطلانه وكذلك قولهم في الملائكة وظهور بطلان قول هؤلاء أعظم من ظهور بطلان قول المتكلمين بنحو ذلك في الرب ... ))

علق الاستاذ فودة على قول ابن تيمية: (وقد بين بالحجج الواضحة أن ما يذكره المتكلمون في النفي مخالف للشريعة وهو مصيب في هذا باطنا وظاهرا) بقوله:

" أي أن ابن رشد هو المصيب في إبطال نفي الجسمية عن الله لا في الظاهر فقط كما هو مذهب ابن رشد بل في الظاهر والباطن أيضا أي أن الله عند ابن تيمية جسم باطنا وظاهرا .. "

وهذا الكلام أعوج لا مستقيم لان ابن رشد يشترك مع الاشاعرة وأهل الكلام في نفي الجسمية في الباطن أما في الظاهر فهو يرى المصلحة في عدم التصريح بهذا للجمهور فكيف يصوبه مع ذلك في الباطن؟!!

ولكن القضية أن ابن رشد يطعن في أدلة المتكلمين التي يستندون إليها في النفي ويصفها بأنها غير برهانية ومخالفة للشريعة، وقوله وهو مصيب في هذا ظاهرا وباطلنا يعني أن بطلان قول المتكلمين بالنفي باطل مطلقا ظاهرا وباطنا يعني في حقيقة الامر لا لان ادلتهم ليست برهانية بل لانه مخالف للشريعة التي ذكر منهجها هو في هذه الصفة.

فقوله باطنا لا ترجع إلى اعتقاده الباطن بالنفي كما يزعم الأستاذ فودة وكيف ترجع إلى ذلك وقد قال " فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم " فكيف يصوبه في الباطن وهو على قول الاشاعرة في نفي الجسمية ثم يقرر بعدها بطلان حجج الفريقين؟!!!

فقوله ظاهرا وباطنا لبطلان النفي ابتداءا لانه مخالف لمنهج الشريعة في السكون وترك النفي والاثبات وهو باطل أيضا لبطلان أدلة كلا الفريقين في حقيقة الامر لا لأنها ليست برهانية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير