تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- ثم إن تصويب ابن رشد في إبطال أدلة المتكلمين في نفي الجسمية لا يعني إثباتها من الجهة المقابلة

لان موقف الشريعة الذي يتبناه ابن تيمية رحمه الله والذي قرره ابن رشد هو السكوت وعدم التعرض لهذا اللفظ بالنفي أو الإثبات وهو قد صوب الإبطال للنفي لانه مخالف للشريعة والشريعة لا تثبت ولا تنفي فكان لزاما أن تصويب بطلان النفي لا يعني الإثبات.

فلا متعلقل لأستاذ فودة في كلام ابن تيمية وليس في هذا الكلام ما يدل على أن ابن تيمية يقول بأن الله جسم وقد مل القارئ من ادعاءات الأستاذ.

من جهة اخرى:

- أن الجسمية التي ذكرها ابن رشد في قوله أن الشريعة اقرب إلى إثباتها منها غلى نفيها هي بمعنى إثبات الذات والصفات الزائدة عليها كاليد والوجه والعلم والقدرة والإرادة وغيرها ...

فقول المتكلمين أن الجسم هو المركب المتحيز ذو الأبعاد، لم يتعرض له ابن رشد فيما نقله عنه ابن تيميه رحمه الله ومما يدل على ذلك:

1 - قول ابن رشد:

" وذلكأن الشرع قد صرح بالوجه واليدين في غير ما آية من الكتاب العزيز وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات "

فهذا الكلام هو في بيان أن الشريعة تقرب من التصريح بإثبات الجسم عن طريق إثبات هذه الصفات التي ذكرها، وإثبات هذه الصفات لا شك أنه مما يقول به ابن تيمية وغيره من السلف،وهو ما عناه هنا ابن رشد بالجسمية.

وتأمل قول ابن رشد عن الأشاعرة:

" وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانهله ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسمأكثر مما ينفون عنه الجسميةبدليل انتفاء الحدوث عنه "

وهذا كلام واضح على أن ابن رشد إنما قصد بالجسمية إثبات الصفات التي جاءت بها نصوص الشريعة في الكتاب والسنة ولما كان الاشاعرة يثبتون بعضا منها جعلهم أيضا من المثبتن للجسمية رغم اتفاقهم على نفيها مما يؤكد أن المعنى المقصود بالجسمية التي يتكلم عنها ابن رشد هو إثبات الصفات كاليد والوجه، وهذا لا إشكال فيه ولا ينكره ابن تيمية ولا غيره من الأئمة.

- أما إثبات الصفات زائدة عن الذات فهذا أمر يشترك فيه الاشاعرة وابن تيمية رحمه الله حيث أنهم يثبتون الصفات السبع ولذا ألزمهم ابن رشد بأنهم أيضا مجسمة أو أقرب على إثبات الجسمية منهم إلى نفيها بإثباتهم تلك الصفات زائدة عن الذات ...

- و مما يجدر الإشارة اليه أن الأستاذ فودة عمل جاهدا أن لا يقف القارئ على قول ابن رشد السابق في الاشاعرة ووصفهم بأنهم مجسمة بإثباتهم الصفات السبع التي يثبتونها زائدة عن الذات حيث قال:

- ((وأيضا فإن ما يصفه هؤلاء القوم من أنه سبحانه له ذات وصفات زائدة على الذات يوجبون بذلك أنه جسم أكثر مما ينفون عنه الجسمية بدليل انتفاء الحدوث عنه)) لان هذا الكلام يوضح بجلاء معنى التجسيم الذي يقصده ابن رشد ويضعهم وابن تيمية رحمه الله في سلة واحدة لمواجهته ويكون جوابهم عنه هو نفس جواب ابن تيمية رحمه الله.

- وأيضا فأن تحليل الأستاذ فودة لموقف ابن تيمية من الفريقين أي ابن رشد ممثلا للفلاسفة والاشاعرة مثالا لأهل الكلام حين قال رحمه الله:

(فيؤخذ من تحقيق الطائفتين بطلان حجج الفريقين على نفي الجسم مع أن دعوى الفلاسفة أن النفس ليست بجسم ولا توصف بحركة ولا سكون ولا دخول ولا خروج وأنه لا يحس إلا بالتصور لا غير يظهر بطلانه وكذلك قولهم في الملائكة وظهور بطلان قول هؤلاء أعظم من ظهور بطلان قول المتكلمين بنحو ذلك في الرب ... )

حيث علق الأستاذ فودة على هذا الكلام قائلا:

"إذن فابن تيمية لما ضرب كل فريق بالآخر خلص إلى نتيجة يخالف بها الفريقين فقال إن الله جسم وأن النفس جسم خلافا للمتكلمين النافين للجسمية عن الله في الأولى وخلافا للفلاسفة القائلين بأن النفس ليست بجسم في الثانية "

ثم قال (والحاصل من كل ذلك أن الله تعالى جسم عند ابن تيمية كما ترى بعينك)

وهذا من الكذب على ابن تيمية رحمه الله!!!

فعين القارئ لم تقع إلا على محاولات الأستاذ الفاشلة في استلال بعض الكلمات من هنا وهناك والزعم بانا نصوص صريحة.

والصحيح أن الفلاسفة أيضا ينفون بأن الله جسم كما ينفي ذلك المتكلمون وإنما طعن ابن رشد في طرق أهل الكلام لإثبات ذلك النفي لان طريقتهم على حد زعمه غير برهانية فطعن في دليل الحدوث والإمكان وغيرهما مما ذكره في كتابه مناهج الأدلة.

وأيضا فإن من أئمة المتكلمين بل من أئمة الاشاعرة من يقول بان النفس ليست بجسم كما ويحكى ذلك عن الباقلاني وغيره من أهل الكلام ...

فكلا الفريقين ينفي الجسمية عن الله سبحانه ولكن تعارضهم وتخاصمهم هو في الأدلة التي يثبتون بها ذلك فبين ابن تيمية بمقابلة أدلة الفريقين التي يزعمون أنها أحكام عقلية ضرورية بطلان كل منهما وتناقضها وذلك لآن من المعلوم عند جميع العقلاء بأن الأحكام العقلية الضرورية لا تتعارض ولا تتناقض فكان مقابلة الأقوال بعضها ببعض هي الطريقة التي يتبعها ابن تيمية في نقض هذه الأقوال جميعا أو ترجيح بعضها على بعض أحيانا وهو ما يتخذه الأستاذ فودة مدخلا لتحميل ابن تيمية أقوال أحد هذه الأطراف دون أدنى تحقيق.

- وقول الأستاذ فودة: فخلص إلى نتيجة يخالف بها الفريقين ...

ليس معناه كما ذكره فهذا من الافتراء والتخرص، وإنما معناه هو ما قرره في الكثير من كتبه وهو المشهور عنه القول به وهو الانقياد لموقف الشريعة الذي قرره ابن رشد قبل آن يولد ابن تيمية وهو السكوت عن هذا اللفظ وعدم التعرض له بإثبات أو نفي في حق الله جل وعلا مع إثبات ما جاءت به نصوص الشريعة من الأسماء الصفات مع نفي مماثلة المخلوقات إثباتا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل كما هو منهج السلف رضوان الله عليهم أجمعين، ولعل هذا هو السبب الرئيس من نقل كلام ابن رشد والاستشهاد به من قبل شيخ الإسلام رحمه الله، وهذا لا يخفى على الأستاذ ولكنه التلبيس على الإتباع والافتراء على أهل السنة.

والله أعلم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير