أما بعد فهذه بعض التعقبات السريعة على مقال التصوف الذي نعرفه، وهو مقال مفيد فيه تعليم لبقايا الصوفية في هذا الزمان أن الدين ليس هو مجرد أوراد وأذكار أو ارتزاق بالدجل والشعوذة، لقد كان من المناسب أن يجمع لنا الكاتب (شمس الدين) كلام الصوفية المعتدلين الذين جمعوا بين العلم والعبادة في الرد غلاة المتصوفة الذين يتعبدون بالرقص والغناء ويستحلون السحر فيقفون على الجمر ويأكلون العقارب، ويزينون للناس الذبح لغير لله وتقديم القرابين للطواغيت ليكون ذلك مصدر رزق لهم، وهو ما أراد نفيه في المقدمة التي استهل بها مقاله، فبدل أن يأتي بتبرئتهم من تلك المآخذ التي شوهت الإسلام والمسلمين أخذ يجمع نماذج من هنا وهناك ليبين أنهم مجاهدون قاوموا المستعمرين، وهذا خلل واضح أنقص كثيرا من قيمة البحث المكتوب.
2 - -قوله:" تصوف السنوسي الذي حمل لواء الجهاد ضد موسوليني أقام دولة إسلامية في ليبيا".
إن السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية (لا الدولة الإسلامية!!) وهو محمد بن علي أبو عبد الله الحسني الإدريسي المولود في مستغانم عام 1787م، واستقر في برقة (ليبيا) عام 1838 م حيث أسس زاويته الأولى في الجبل الأخضر، وبعدها فر إلى واحة جغبوب في الجنوب وبقي فيها إلى أن توفي عام 1859م ولم يذكر من ترجم له أنه أقام دولة ولا أن الله تعالى مد في عمره حتى أدرك الاستعمار الإيطالي لليبيا (1912) أو عهد موسوليني الذي وصل إلى الحكم سنة 1922م، ومتى أقام هذه الدولة من قاوم موسوليني وما اسمها؟!
3 - قوله:" وهو تصوف شامل النقشبندي الذي أعلن الجهاد ضد الروس منذ أربعمائة سنة".
شامل هو محمد عبد القادر المولود سنة 1797م بداغستان والمتوفى سنة 1871م بالمدينة النبوية قاوم الروس من سنة 1834م إلى سنة 1851م ومنه فقوله:" قبل أربعمائة سنة" خطأ واضح يبين لنا أنه لا يعرفه.
4 - قوله:" التصوف الذي نعرفه هو الذي جعل رجلا كحسن البنا ينشئ كبرى الحركات الإسلامية في القرن الحديث".
لا يمكن أن نقول أن نشأة حسن البنا بين الصوفية هي التي دفعته إلى تأسيس حركته الإصلاحية، وإلا فإنه يصح أيضا أن يقال إن نشأة ابن باديس بينهم هي التي دفعته إلى تأسيس حركته، وهل يقول هذا من يعي ما يقول، ولعل الكاتب اغتر بما يقوله بعضهم من أن حسن البنا كان حصافيا!! وقد حقق في الأمر بعض الباحثين فبين أنه كان حريصا على تأليف قلوب المتصوفة واجتناب مخاصمتهم ليضمهم إلى صفه، ثم قال:" …ثم ما لبث حسن البنا أن تزايد شعوره بالتميز والتباين عن تلك الطرق مما يعز معه الجمع والتأليف وذلك في آخر ما نشر في مذكراته إذ جاء فيها:" …لقد آن الأوان الذي أتميز فيه عن كل هذه الدعاوى المشتبهة، وأكشف فيه عن الغاية للإصلاح الإسلامي الذي يتلخص في الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وتطهير العقول من هذه الخرافات والأوهام وإرجاع الناس إلى هدي الإسلام الحنيف" ... ".
5 - إذا كان معنى التصوف عنده هو الزهد في الدنيا لا الشعوذة أو التبطل باسم الدين، ففي المقال تقصير واضح وغير لائق إذا كيف لا يذكر الإمام مالك وأبا حنيفة وأحمد والشافعي أليس هؤلاء الأئمة من الزهاد؟؟ وما دام قد حرص على ذكر المجاهدين فقط من المتأخرين وهم القلة مع أن الخاملين والخرافيين هم الكثرة (وفيهم عدد لا بأس به من الخونة وعملاء الاستعمار)، فلماذا لم يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ألم يكن هو أيضا من الزهاد؟ ألم يكن من المجاهدين!؟
6 - وكيف يهمل ذكر هؤلاء وغيرهم من الأعلام المعروفين ويذهب إلى ذكر بعض الأسماء التي لا يعرفها لا الكاتب –كما هو مبين أعلاه- ولا القراء، وهذا تصرف غير منهجي إذ الكاتب يريد أن يعرف للناس التصوف الصحيح، فكان الواجب أن يكون المعرَّف به واضحا ومعلوما لا غامضا يحتاج إلى تعريف به هو الآخر، وهذا من أبجديات العلم عند المتخصصين في العلوم الإسلامية –راجع السلم في المنطق أو غيره!!! -.
السبت 14 ماي 2005 محمد بن عبد الله العاصمي
ـ[أبو أحمد الأشقر]ــــــــ[18 - 10 - 08, 07:27 م]ـ
وهذا مقال آخر نشره العاصمي (عام 2001م) في جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء.
تعقيب على مقال"وجاء دور الناقوس"
¥