1 - هذا السؤال مع السؤال السابق حول الجهاد وهل مفهومه أساس التصادم يوحي برأي ربما تداولته بعض الكتابات حول هذا الموضوع؛ خلاصته: أن المشكلة القائمة في العالم اليوم بين الشرق والغرب، أو بين العالم الإسلامي والعالم الغربي؛ إنما نشأت بسبب المتطرفين من الطرفين؛ من المسلمين الذين ينطلقون من شريعتهم ومنها الجهاد في سبيل الله، ومن الغربيين الذين يغذون الصراع من خلال نظرية صدام الحضارات حيث يؤطِّرون القضية من خلال دراسات أكاديمية توحي بهيبة البحث والتحليل.
ونتيجة هذا الرأي الحالم أننا لو سلمنا من هؤلاء وهؤلاء لعاد السلام والتعايش والوئام بين أمم الأرض؛ ومنهم المسلمون والغرب، ولساد العالم التعاون والرخاء وإسعاد هذا الإنسان على وجه هذه الأرض .. إلخ.
ويكفي في التعليق على هذا أنه رأي حالم ومثالي وخيالي.
2 - نظرية صدام الحضارات التي كُتب عنها كثيراً واشتهرت باسم من ألَّف فيها كتاباً وهو (هنتنجتون) - كما هو معروف -؛ نظريةٌ كَثُر الكلام والجدل حولها في الغرب والشرق. ولا يمكن في هذه العجالة أن نشير إلا إلى خطوط عريضة تفيدنا في الجواب عن السؤال فقط.
وقد وقفتُ عند مفارقة عجيبة في التعامل مع هذه النظرية بين الغرب والشرق - أعني: المسلمين -:
1 - حيث استغلّ هذه النظرية سَدَنة الغرب وكثير من قادة الفكر والسياسة وغيرهم، وعلى رأس هؤلاء أصحاب العقيدة الأصولية الإنجيلية المتحدة مع الصهيونية في أمريكا وأوروبا، حيث تبنَّوْا ما في هذه النظرية من زعم بأن الإسلام وحضارته هما الخطر، وأنه لا بدّ من الصدام مع المسلمين، ولا خيار إلا التعجيل بهذا الصدام.
وهذا ما وقع ونُفِّذ فعلاً في حرب الخليج الأولى والثانية وحروب البلقان، ثم بعد أحداث سبتمبر 2001م وغزو أفغانستان والعراق، والصومال - عن طريق الوكلاء الإثيوبيين - ولا تزال المعركة على أشدِّها إلى اليوم؛ حيث امتدت إلى حرب عقدية وأخلاقية تدخل بلاد المسلمين كافة؛ حيث شمل الصدام والحرب الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافية والنُّظم والتعليم والمرأة وفوق ذلك الدين والعقيدة والإيمان والشريعة - كما سبق - حتى أصبح كثير من هذه الدول ممن لا حول له ولا قوة إلا ما أراده الصليبيون.
2 - يقابل ذلك هلع من بعض المسلمين من هذه النظرية - نظرية صدام الحضارات - حيث انتقدها هؤلاء، وشنَّعوا عليها، وحزنوا أشدّ الحزن؛ لأنها صدرت عن البلاد الغربية الديمقراطية التي تقود العالم إلى الحضارة والرقي، وبادر هؤلاء إلى الدفاع عن أنفسهم وعن الإسلام الذي يُنسبون إليه شاؤوا أو أبوا، وانقسم هؤلاء إلى فئات:
فئة: انتهزت الفرصة لتنتقم من الإسلام وحَمَلَته، فشنَّت حَمْلَة شعواء على الإسلام والأصولية والتطرف الكامن فيه، وقادوا حملة عَلْمانية ضد الإسلام تفوق عَلْمانية الغرب عدة مرات، واستعانوا بالغرب على ذلك.
وفئة: هالها الهجوم على الإسلام فتراجعت ونكصت على عقبيها تتبرَّأ من كثير من أُسسه وثوابته العقدية والشرعية، وانبرت مستخدمة ما عندها من خلفية ثقافية - وشرعية أحياناً - لتُعْمل في الإسلام التأويل والتحريف والإنكار.
وهذا ما فعلته الفئات التي تطلق على نفسها التنويرية والعقلانية، المنتسبة إلى الإسلام.
وفئة: صار همها أن تحافظ على كيانها ومصالحها؛ فأصبحت تنفِّذ ما يريده الغرب منها، ولو على كرهٍ منها في بعض الأحيان.
ويقابل هؤلاء من انطلق في تحليله لهذه النظرية ولما صحبها من الهجوم الصليبي على المسلمين؛ من خلال أسسه وثوابته العقدية والشرعية المنطلقة من الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح، مع دراسة الواقع: واقع الغرب وأهدافه وحضارته وواقع المسلمين وتفرُّقهم وضعفهم؛ فأظهروا الرأي السديد والمنهج الشرعي الرشيد ونصحوا أنفسهم وقومهم وبيَّنوا أسس النهوض بهذه الأمة في المجالات كافة.
¥