قال رحمه الله (وإفلاس) يعني لا يحجر عليه بسبب الإفلاس بل يحبس حتى يظهر له مال , فإن لم يظهر له مال أخرجه من الحبس وقد ذكرنا الحبس وما يحبس فيه من الديون وكيفية الحبس وقدره وبدين من يحبس , والملازمة وصفتها في كتاب القضاء , وإذا أخرجه من الحبس لا يحول بينه وبين غرمائه بعد الإخراج بل يلازمونه عند أبي حنيفة لقوله عليه الصلاة والسلام {لصاحب الحق اليد , واللسان} أراد باليد الملازمة وباللسان التقاضي ويأخذون فضل كسبه ويقسم بينهم بالحصص لاستواء حقوقهم في القوة ولو قدم البعض على البعض في القضاء جاز ; لأنه تصرف في خالص ملكه ولم يتعلق لأحد حق في ماله , وإنما حقه في ذمته فله أن يؤثر من يشاء من غرمائه ذكره في النهاية وقال أبو يوسف ومحمد إذا فلسه الحاكم حال بينه وبين غرمائه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا لقوله تعالى {, وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وقد ثبت عسرته فوجب انتظاره وفي الهداية قال محمد للمدعي أن يحبسه في بيته أو يتخذ حبسه وفي رواية أخرى لرب الدين أن يلزم مديونه المعسر حيث أحب , وإن كان الملزوم لا معيشة له إلا من يده لم يكن له أن يمنعه من الذهاب , والمجيء.
المدونة (طبعة دار الكتب العلمية) 4/ 59
كتاب المديان في حبس المديان قال سحنون: قلت: لعبد الرحمن بن القاسم: أرأيت القاضي هل يحبس في الدين في قول مالك بن أنس؟ قال: قال مالك: لا يحبس الحر ولا العبد في الدين ولكن يستبرئ أمره , فإن اتهم أنه خبأ مالا أو غيبه , حبسه. وإن لم يجد له شيئا ولم يخبئ شيئا لم يحبسه وخلى سبيله , فإن الله تبارك وتعالى يقول: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} البقرة إلا أن يحبسه قدر ما يتلوم من اختباره ومعرفة ماله , وعليه أن يأخذ عليه حميلا. قلت: فإن عرفت له أموال قد غيبها أيحبسه السلطان أم لا؟ قال: نعم يحبسه أبدا حتى يأتي بماله ذلك. قلت: أرأيت الدين هل يحبس فيه مالك؟ قال: قال مالك بن أنس: إذا تبين للقاضي الإلداد من الغريم حبسه.
المنتقى شرح الموطأ 5/ 82
(فصل): وأما من ثبت فلسه , وعلم عدمه فروى ابن وهب عن مالك في كتاب ابن حبيب لا يحبس إن كان معسرا , ولا شيء له , وفي كتاب ابن المواز إن علم أنه لا شيء له فلا يحبس حر ولا عبد ووجه ذلك قول الله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة}.
(مسألة) ولا يؤاجر المفلس في دينه خلافا لابن حنبل , والدليل على ذلك قول الله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} ومن جهة المعنى أن الدين إنما يتعلق بذمته دون عمله قال ابن المواز سواء كان حرا أو عبدا مأذونا له في التجارة.
(فصل): وأما من علم غناه أو كان ذلك ظاهر أمره ففي كتاب ابن المواز والعتبية يحبس حتى يوفي الناس حقوقهم أو يتبين أن لا شيء له فهذا لا يصرف , ولا يعجل سراحه حتى يستبرأ أمره قال: وهذا مثل التجار الذين يأخذون أموال الناس ثم يدعون ذهابها , ولا يعلم ذلك , ولا يعلم أنه سرق له شيء , ولا أحرق له منزل , ولا أصيب بشيء.
الأم (طبعة دار المعرفة) 3/ 208
قال الله - تبارك وتعالى - {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {مطل الغني ظلم} فلم يجعل على ذي دين سبيلا في العسرة حتى تكون الميسرة , ولم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مطله ظلما إلا بالغنى فإذا كان معسرا فهو ليس ممن عليه سبيل إلا أن يوسر , وإذا لم يكن عليه سبيل فلا سبيل على إجارته ; لأن إجارته عمل بدنه , وإذا لم يكن على بدنه سبيل , وإنما السبيل على ماله لم يكن إلى استعماله سبيل , وكذلك لا يحبس ; لأنه لا سبيل عليه في حاله هذه.
وفي طرح التثريب 6/ 163
(الثامنة) استدل به على أن المعسر لا تجوز مطالبته حتى يوسر ولا يجوز حبسه ولا ملازمته وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور قال الله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وحكي عن ابن شريح حبسه حتى يقضي الدين , وإن ثبت إعساره , وعن أبي حنيفة أن الحاكم لا يمنع غرماءه من ملازمته.
وفي المغني طبعة إحياء التراث العربي 5/ 191
¥