[رأي في مسألة بيعتين في بيعة]
ـ[عبد العزيز الشبل]ــــــــ[16 - 09 - 04, 01:50 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيمبسم الله الرحمن الرحيم
النهي عن بيعتين في بيعة ورد عن النبي r واختلف الفقهاء في تفسير
المراد ببيعتين في بيعة، وهذه المسألة من المسائل المهمة جداً في كتاب البيوع، وينبني
عليها كثير من المسائل المعاصرة، ومن تلك المسائل على سبيل المثال مسألة
التأجير المنتهي بالتمليك، ولعل الله أن ييسر عرض هذه المسألة فريباً، والذي لاحظته عند
كثير من المشايخ وطلبة العلم انتشار الرأي الذي اختاره ابن القيم وكأنه قول مسلم لا
يقبل النقاش، في هذه العجالة سأعرض للخلاف في هذه المسألة وآمل أن يكون فيها ما
يفيد الإخوة.
العمدة في هذا الباب حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: (من باع بيعتين في بيعة
فله
أوكسهما أو الربا.) ([1])
وللعلماء ـ رحمهم الله ـ في معنى (بيعتين في بيعة) الوارد في الحديث
تفسيرات ([2])،
أشهرها ما يلي:
التفسير الأول: أن المراد بـ (بيعتين في بيعة) قول البائع: أبيعك هذه السلعة
نقداً بعشرة، ونسيئة بأحد عشر، ويعقدان العقد من غير تحديد لأحد الثمنين وقد قال بهذا
القول: جمع من السلف ([3]) منهم ابن مسعود ([4])، والحنفية ([5])، والمالكية ([6])،
وذكر الشافعي أنه أحد الوجهين في تفسير بيعتين في بيعة ([7])، وذكر النووي أنه الأشهر ([8])، وهذا التفسير رواية عن الإمام أحمد ([9])،وذكره ابن حزم تفسيراً لبيعتين في بيعة. ([10])
واستدلوا لهذا التفسير بما يلي:
الدليل الأول: أن هذا التفسير مما لا يختلف الناس فيه. ([11])
الدليل الثاني: أن هذا التفسير يصدق عليه أنه بيعتين في بيعة؛ لأن هناك بيعاً
بثمن مؤجل، وبيعاً بثمن معجل، ولم يحددا أحد البيعتين، كما أنه يصدق على من فعل ذلك
أنه له أوكسهما أو الربا، لأن مقصوده جعلُ الدراهمِ ـ إذا لم يدفع الثمن المعجل ـ
مقابلَ الأجل، فهو بيع دراهم بدراهم نسيئة، فليس له إلا الأوكس أي ليس له إلا
الثمن الأقل، وإلا فسيقع في الربا. ([12])
الاعتراض على هذا التفسير:
أن هذا البيع ليس فيه ربا ولا جهالة ولا غرر ولا قمار ولا شيء من المفاسد، وليس
هذا بأبعد من تخييره بعد البيع بين الأخذ والإمضاء ثلاثة أيام. ([13])
ويجاب عن هذا الاعتراض:
أولاً: لا نسلم أن هذا الفعل ليس فيه غرر، بل فيه غرر في الثمن؛ لأنه عقد العقد
وهو لا يدري على أي ثمن تمّ العقد.
ثانياً: بأن هذا التفسير هو تفسير غالب السلف، وهم أعلم بتفسير النصوص، كما
أنهم أعلم بمدلول اللغة.
التفسير الثاني: أن (بيعتين في بيعة) يراد به: اشتراط عقد في عقد، كأن يقول له:
لا أبعيك هذه السلعة، حتى تؤجرني بيتك، وقد قال بهذا القول: الحنفية ([14]) وهو أحد
تفسيري الشافعية ([15])، وقال به الحنابلة ([16]) وذكره ابن حزم تفسيراً لبيعتين
في بيعة. ([17])
التفسير الثالث: أن يعقد البائع مع المشتري بيعتين (عقدين) على أن لا تتم منهما
إلا واحدة مع كون العقد لازماً بأحدهما، مثل أن يتبايعا هذا الثوب بدينار, وهذا
الآخر بدينارين على أن يختار أحدهما أي ذلك شاء, وقد لزمهما ذلك أو لزم أحدهما فهذا
يوصف بأنه بيعتان; لأنه قد عقد بيعتين: بيعة في الثوب الذي بالدينارين, وبيعة أخرى
في الثوب الذي بالدينار, ولم تجمعهما صفقة; لأنه لا يتم البيع فيهما, ويوصف بأنه
في بيعة; لأنه إحدى البيعتين.
وقد ذكر هذا التفسير بعض المالكية. ([18]) ويلحظ أنه في هذا التفسير تم التعاقد
من غير تحديد للمبيع. ([19])
ومثل هذا التفسير ما لو عقد العقد من غير تحديد للثمن كما لو باعه السلعة بصاع
قمح أو صاعي شعير، وهذا التفسير ذكره مالك في الموطأ كما ذكره بعض الحنفية. ([20])
واعترض على مثل هذا التفسير بأنه:
لا يصدق على أنه بيعتين في بيعة، وإنما هي بيعة واحدة بثمن مجهول. ([21])
التفسير الرابع: أن المراد ببيعتين في بيعة، بيع العينة، وهي: أن يبيع الشيء
نسيئة ثم يشتريه بأقل من الثمن الذي باعه به نقداً (عاجلاً)، وقد قال بهذا القول: شيخ
الإسلام ابن تيمية ([22])، وتلميذه ابن القيم ([23]).
كما أن هذا القول قد يفهم من صنيع الإمام مالك في الموطأ فإنه بوّب
للنهي عن بيعتين في بيعة ثم أورد فيه أثراً لابن عمر رضي الله عنهما، وهو: أنه بلغه
¥