تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جهود الأئمة في حفظ السنّة

ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[15 - 10 - 04, 02:09 ص]ـ

جهود الأئمة في حفظ السنّة

بقلم: أحمد بن عبد الرحمن الصويان

تحدث الكاتب في الحلقة الأولى عن المعالم التي قادت المسلمين إلى حفظ

السنة في صدر الإسلام، ثم جهود الخلفاء (الأئمة) وكذلك الصحابة الأعلام (رضي

الله عنهم). ويواصل الأخ الكاتب في هذه الحلقة بيان جهود الأئمة من السلف ومن

بعدهم.

ثانياً: جهود السلف في حفظ السنة وضبطها:

بذل أئمة الإسلام جهوداً عظيمة في حفظ السنة وتنقيحها، وحمايتها من

تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وقد تمثلت جهودهم في

مسائل عديدة، أذكر منها:

1 - حفظ السنّة:

اهتم السلف الصالح بحفظ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وإتقانه،

وجعلوا ذلك شرطاً من شروط الرواية، حتى قال عبد الرحمن بن مهدي: (يحرم

على الرجل أن يروي حديثاً في أمر الدين حتى يتقنه ويحفظه كالآية من القرآن،

وكاسم الرجل) [1].

وقد سطر أئمة الحديث أروع الأمثلة في هذا الباب، وأتوا بما يبهر الإنسان

ويعجزه، ومن علامات ذلك:

(أ) غزارة الحفظ:

تميّز بعض الأئمة بكثرة محفوظاتهم وتنوعها، وهناك أمثلة كثيرة جداً على

ذلك، وقد جمع الذهبي تراجم هؤلاء الحفاظ في كتابيه: (سير أعلام النبلاء)

و (تذكرة الحفاظ) وذكر عجائب من علومهم وأحوالهم، ومن أمثلة هذا الباب:

المثال الأول: حفظ الإمام أحمد:

كان الإمام أحمد واسع الحفظ، جمع حديثاً كثيراً، حتى قال أبو زرعة: (كان

أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل: ما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذتُ

عليه الأبواب) [2].

المثال الثاني: حفظ الإمام إسحاق بن راهويه:

قال أبو داود الخفّاف: (سمعت إسحاق بن راهويه يقول: لكأني أنظر إلى مئة

ألف حديث في كتبي، وثلاثين ألفاً أسردها). قال: (وأملى علينا إسحاق أحد عشر

ألف حديث من حفظه، ثم قرأها علينا، فما زاد حرفاً، ولا نقص حرفاً) [3].

وقال علي بن خشرم: (كان إسحاق بن راهويه يملي سبعين ألف حديث

حفظاً) [4].

المثال الثالث: حفظ الإمام عبد الرحمن بن مهدي:

قال القواريري: (أملى عليّ عبد الرحمن بن مهدي عشرين ألف حديث

حفظاً) [5].

المثال الرابع: حفظ الإمام الحميدي:

قال الإمام الشافعي: (ما رأيت صاحب بلغم أحفظ من الحميدي، كان يحفظ

لسفيان بن عيينة عشرة آلاف حديث) [6].

ب- قوة الحفظ ودقته:

على الرغم من كثرة محفوظات الأئمة وتنوعها، إلا أنهم تميزوا بقوة الحافظة، والرعاية الشديدة لمحفوظاتهم، حتى قال الأعمش: (كان هذا العلم عند أقوام كان

أحدهم لأن يخرّ من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واواً أو ألفاً أو دالاً) [7].

ولهذا كان الإمام مالك يتحفظ من الباء والتاء والثاء، في حديث رسول الله -صلى

الله عليه وسلم-[8].

ومن الأمثلة على قوّة الحفظ ودقته:

المثال الأول: قوة حفظ الإمام الزهري:

جمع الإمام الزهري علماً عظيماً، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره، مع قوة

وإتقان، فقد قال عن نفسه: (ما استعدت حديثاً قط، وما شككت في حديث إلا حديثاً

واحداً فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت) [9].

وقد أراد هشام بن عبد الملك أن يمتحنه، فسأله أن يملي على بعض ولده

أربعمائة حديث، وخرج الزهري، فقال: أين أنتم يا أصحاب الحديث؟ فحدثهم

بتلك الأربعمائة، ثم لقي هشاماً بعد شهر أو نحوه، فقال للزهري: إن ذلك الكتاب

ضاع، فدعا بكاتب فأملاها عليه، ثم قابل بالكتاب الأول فما غادر حرفاً

واحداً) [10].

المثال الثاني: قوة حفظ قتادة بن دعامة:

قال الإمام أحمد: (كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئاً إلا حفظه،

قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها) [11].

وقال معمر: (رأيت قتادة قال لابن أبي عروبة: أمسك عليّ المصحف، فقرأ

البقرة، فلم يخطئ حرفاً، فقال: يا أبا النضر، لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني

لسورة البقرة) [12].

ولهذا قال قتادة عن نفسه: (ما قلتُ لمحدث قط أَعِدْ عليّ، وما سمعت أذناي

شيئاً إلا وعاه قلبي) [13].

المثال الثالث: قوة حفظ الإمام أحمد:

كان الإمام أحمد آية في الحفظ والإتقان، على الرغم من كثرة محفوظاته،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير