وهو وجه من القوة بمكان، وقد تقرر عن طريق دراسة طبية حديثة أن ممارسة هذه الفعلة ينجم عنه سرطان الفم ويزيد بسببه إن كان الشخص مصابا به قبل ذلك، وقد تقرر أن من علم حجة على من لم يعلم، وأن من قال بعدم وجود الضرر فيه إنما بناه على معومات غير صحيحة، وفي القواعدة الفقهية أنه" لا عبرة بالخطأ البين خطؤه "، كما تقرر فيما سبق الترابط والمناسبة بين التحريم والضرر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعليه فهذا الوجه قوي جدا في الدلالة على التحريم لما علم من تحريم ذوات الأضرار على النفس في الشريعة الإسلامية، وهو يدل على تحريم هذا النوع من العشرة على الجنسين (الذكور والإناث).
ثانيا: في الرد على شبهات المبيحين
وقد تم العثور على خمس شبهات مما احتج به من ذهب إلى الإباحة، وهي:
الشبهة الأولى: الاستدلال بالبراءة الأصلية والإباحة العقلية
وفي الرد على هذه الشبهة بينا أن الاستدلال بالبراءة الأصلية من أضعف الأدلة، وأنه لا يصار إليها إلا عند عدم الدليل المعتبر، وأن الأمر هنا ليس كذلك، كما بينا أن رفع الاستصحاب لا يعتبر نسخا، فلا يكون هناك ناسخ ومنسوخ، إذ لا تعارض بين الدليل الرافع للبراءة العقلية (الأصلية) وبين البراءة نفسها.
وبينا أيضا أن القياس بجميع أنواعه أقوى من البراءة الأصلية، فلا يبقى فيها متمسك للقول بالإباحة، لعدم قوة هذه البراءة في معارضة الأدلة المتعددة.
الشبهة الثانية: الاستدلال بالقياس على النظائر المباحة
وفي الرد على هذه الشبهة بينا أن هذا القياس المزعوم غير صحيح لوجهين:
أولهما: أنه من القياس مع الفارق، وبينا أن الفارق بين المقيس والمقيس عليه من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أنه لا يوجد في هذه النظائر المذكورة مثل ما يوجد في الفم واللسان من الحرمة والتكريم عن النجاسات، فقياسه على هذه النظائر التي لا تشاركه في هذا التكريم والصيانة من النجاسات من باب القياس مع الفارق.
الوجه الثاني: أنه ليس في هذه النظائر من حرمة أكل النجاسة المستلزم لمباشرتها مثل ما في الفم واللسان، وذلك لأن الفم هو موضع الأكل وتناول الطعام، وليس التفخيذ ونحوه مما ذكر كذلك فافترقا.
الوجه الثالث: أن تحريم الخبائث ينطبق لزوما على الفم واللسان بخلاف الفخذ وما ذكر معها من النظائر، فلا يصح إلحاقهما بها، وهذا وجه ثالث للفرق بينهما.
ثانيهما: أنه يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا، وكل النظائر المذكورة من باب التابع، وليس الفم واللسان كذلك، فدل على عدم صحة القياس على هذه النظائر المذكورة.
الشبهة الثالثة: الاستدلال بمفهوم المباشرة المباحة
وفي الرد على هذه الشبهة الواهية ذكرنا أنها باطلة من وجهين:
الوجه الأول: أن المراد بقوله " خارجا منه " المفاخذة ونحوها مما يجوز تبعا لا استقلالا كما تقدم في موضعه، وأن هذا هو مراد الشيخ الألباني رحمه الله تعالى وهو الصواب، بدليل أنه صح من حديث عائشة نفسها تحريم الوطء في الفرج مدة الحيض.
الوجه الثاني: أن لازم هذا الفهم الافتراء على المحدث الألباني في أنه يجيز إتيان المرأة في دبرها لأنه لم يستثن هنا، والدبر داخلة في العموم المزعوم، وهذا غير صحيح لأن الشيخ بين في فصول هذا الكتاب المبارك تحريم ذلك، ورد على القاسمي في تضعيفه لأحاديث التحريم، وهذا يدل على أن الشيخ لم يفهم من هذه العبارة العموم وإلا لاستثنى من العموم تحريم الدبر.
فإن قيل: ذلك مخصوص من عموم المباشرة المباحة للدليل الخاص؟ قلنا: كذلك لعق الأعضاء التناسلية ومصها مخصوص من هذا العموم – إن صحت الدعوى – للدليل الخاص المتقدم.
الشبهة الرابعة: إيراد حلول لتجنب النجاسة ومباشرتها
وفي الرد على هذه الشبهة ذكرنا أنها باطلة لثلاثة أمور:
الأول: أن هذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على قوة هذا الدليل، وصحة دلالته على التحريم وإلا لما لجأ صاحبها إلى الحيل، وذكرنا أن الحيل على المحرمات ممنوعة شرعا.
الثاني: أن هذه الحيلة لو نفعت مع مباشرة النجاسة فلا تنفع مع قياس الفم على اليمين كنا بينا أن لمس اليمين بالفرج بآلة مع وجود النجاسة هو المقصود بالنهي.
الثالث: أن تعليل النهي المذكور بالكرامة والصيانة يقتضي تحريم هذه الفعلة ولو بعد اللف المذكور، لأنه لا يرفع الإهانة، ولا يزال موضعا مهينا مستقذرا.
يؤيده: أن القذارة المذكورة في الوجه السابع ووجوب صيانة الفم واللسان عن الأماكن القذرة لا ترتفع بلف الأعضاء التناسلية فلزم بقاء التحريم.
الشبهة الخامسة: أقوال بعض العلماء
وهو أن بعض العلماء أباح لحس فرج النساء وعدوها من باب التمتع المباح بين الزوجين، وقالوا: قد أباح الشرع للرجل من زوجته ما هو أبعد من ذلك وهو المجامعة.
وفي الرد على هذه الشبهة بينا أن هذا قول لا يصح الاعتماد عليه لوجهين:
الأول: أن هذه أقوال لا دليل عليها، وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن أي أحد من أفراد الأمة وعلمائها لا بد لقوله من دليل، وصح عن الأئمة المتبوعين النهي عن أخذ قولهم ما لم يعرف دليل ذلك القول، كما صح عنهم ضرب قولهم عرض الحائط إذا خالف الدليل المعتبر، وقد قام الدليل على خلاف قول من أباح ذلك رحمهم الله تعالى، وقد تقرر أن أقوال العلماء يستدل لها ولا يستدل بها، ومن كان عنده دليل معتبر في ذلك فليتحفنا به.
الثاني: أن هذا من تتبع زلات العلماء، وقد جاء التحذير عن غير واحد من العلماء ونقلنا جملة طيبة منها في هذه الرسالة، يعرف من مراجعتها عدم صحة الاعتماد على مثل هذه الهفوات والله أعلم.
آمل توجيهات المشايخ والأساتذة
أبو عبد الباري السبلي