تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حتى قال ابن المديني: (ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن

حنبل) [14].

ومن شدة إتقانه أنه كان يقول لابنه عبد الله: (خذ أي كتاب شئت من كتب

وكيع، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد

حتى أخبرك عن الكلام) [15].

المثال الرابع: قوة حفظ ابن أبي شيبة:

قال عمرو الفلاس: (ما رأيت أحداً أحفظ للحديث من ابن أبي شيبة، قدم

علينا مع ابن المديني، فسرد للشيباني أربعمائة حديث حفظاً وقام) [16].

ولهذا قال الخطيب البغدادي: (كان متقنا حافظاً مكثراً) [17].

وقال الذهبي: (كان بحراً من بحور العلم، وبه يضرب المثل في قوة

الحفظ) [18].

المثال الخامس: قوة حفظ الإمام البخاري:

قال محمد بن حاتم: (قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك في طلب

الحديث؟ قال: ألهمتُ حفظ الحديث وأنا في الكُتّاب قال: وكم أتى عليك إذ ذاك؟

قال: عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من الكُتّاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى

الداخلي وغيره، وقال يوماً فيما كان يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير عن

إبراهيم، فقلت له: يا أبا فلان، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم، فانتهرني،

فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل ونظر فيه ثم خرج وقال لي:

كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي عن إبراهيم، فأخذ القلم مني وأحكم

كتابه، فقال: صدقت، فقال له بعض أصحابه: ابن كم كنت إذ رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة) [19].

وقصة البخاري لمّا قلبت عليه عشرة أحاديث بأسانيدها ومتونها لامتحانه،

فأعادها عليهم، ثم ساقها على وجهها الصحيح، قصة عجيبة تدل على إمامته في

هذا العلم، وقدرته العظيمة على الحفظ والاستيعاب) [20].

2 - جمع السنّة وتدوينها:

حرص العلماء على سماع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتلقيه عن

أئمته من الصحابة والتابعين، ثم حرصوا على جمعه وتدوينه وكتابته، وقد مرّ ذلك

بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: جمع السنة في أواخر القرن الأول:

لعل من أوائل المحاولات لجمع السنة: ما قام به عبد العزيز بن مروان،

حيث كتب إلى كثير بن مرة وكان قد أدرك بحمص سبعين بدرياً من أصحاب

رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول

الله -صلى الله عليه وسلم- من أحاديثهم، إلا حديث أبي هريرة، فإنّه عندنا) [21].

ولما جاء بعده ابنه عمر بن عبد العزيز حرص على جمع السنة، وسلك في

ذلك طريقين:

الأول: كتب إلى أبي بكر ابن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله -

صلى الله عليه وسلم- فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا

حديث النبي) [22].

الثاني: أمر الزهري بجمع السنة، حيث قال الزهري: (أمرنا عمر بن

عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفتراً دفتراً، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً) [23].

ولهذا قال الترمذي: (هو واضع علم الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز،

مخافة ضياعه بضياع أهله) [24].

المرحلة الثانية: تدوين السنة في منتصف القرن الثاني:

قال الذهبي: (لم ينتصف القرن الثاني حتى نشطت حركة تدوين الحديث،

وكان من سبق إليها من رجال هذا القرن: ابن جريج المكي، وابن إسحاق،

ومعمر ابن راشد، وسعيد بن أبي عروبة، وربيع بن صبيح، وسفيان الثوري،

ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن المبارك، ثم تتابع الناس) [25].

وقال ابن حجر: (ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار، وتبويب

الأخبار لمّا انتشر العلماء في الأمصار، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض

ومنكري الأقدار) [26].

المرحلة الثالثة: تصنيف السنّة في القرن الثالث:

في بدايات القرن الثالث أخذ التصنيف دوراً جديداً، فظهرت المصنفات:

كمصنف عبد الرزاق [ت211هـ] وابن أبي شيبة [235هـ]، والمسانيد: كمسانيد الحميدي [ت219هـ]، وأحمد [ت241هـ]، والدارمي [ت هـ]، والجوامع: كجامع البخاري [ت 256هـ]، وجامع مسلم [ت261هـ]، وجامع الترمذي [ت279هـ]، والسنن: كسنن أبي داود [ت 275هـ]، وابن ماجه [ت 273هـ]، والنسائي [ت303 هـ].

وبهذا نتبين أن أئمة السنة بذلوا جهداً عظيماً في جمع السنة وتبويبها، وتركوا

لنا تراثاً غزيراً في عشرات المصنفات والدواوين، حتى أصبحت هذه الأمة تمتلك

بحق أغنى تراث عرفته البشرية، فاللهم لك الحمد والمنة على هذه النعمة العظيمة.

ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[23 - 11 - 04, 12:25 ص]ـ

للفائدة

ـ[ماهر]ــــــــ[05 - 12 - 08, 02:03 م]ـ

أجزل الله لكم الثواب وأدخلكم الجنة بغير حساب، وجمعنا ووالدينا وإياكم في الفردوس الأعلى.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير