تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم السواك للصائم للعلامة الجهبذ أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه ـ]

ـ[مبارك]ــــــــ[20 - 10 - 05, 02:37 م]ـ

* قال العلامة الجهبذ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري ـ حفظه المولى تعالى:

السواك للصائم بإطلاق:

ليست اليوميات الصحفية ـ لولا مناسبة هذا الشهر المبارك ـ محلا لتحرير المسائل الفقهية.

ورغم المناسبة الكريمة فإنما أبحث من المسائل الفقهية ما له علاقة بمنهج الإستدلال والتأصيل، وأما ثقافة المسألة ونصوصها فمتروكة لمراجعة القراء في بطون الكتب.

كيف لا وقد انتشرت الكتب وأصبح صغار الطلبة وغير ذوي التخصص يملكون أمهات الكتب إضافة إلى الأجزاء، وانطوى وقت كنا نرود فيه المكتبات فلا نجد إلا ديوان شعر النبط وتغربة بني هلال، ورياض الصالحين يتبرك أنصاف المثقفين بوجوده في أرفف ديوانياتهم.

وتناولي لمسألة السواك للصائم وأنه سنة إنما هو تناول لمنهج التأصيل وتصحيح وجه الإستدلال.

فأقول وبالله التوفيق: الأصل الشرعي بتظاهر النصوص أن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب، وأنه من سنن الفطرة، ومن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يود أن يأمر أمته بالسواك عند كل صلاة، وعند كل وضوء، وإنما ترك أمر الإيجاب رحمة بأمته يخاف أن يشق عليه.

فمن قال السواك سنة في الصيام قبل الزوال وبعده لا تجوز مطالبته بالدليل على سنية السواك في خصوص الصيام، لأن عنده الأصل الشرعي بأن السواك سنة مؤكدة في كل وقت بلا استثناء في الليل والنهار في الصيام والفطر.

وإنما يطالب بالدليل على عدم جوازه في الصيام من ادعى عدم الجواز، لأنه مستثنى من حكم الأصل.

ومن خرج عن عموم مقتضى الأصل فعليه الدليل.

وقد يستدل من قال بسنية السواك في رمضان بقول عامر بن ربيعة رضي الله عنه: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم " رواه الترمذي وحسنه، ورواه أبو داود السجستاني، وأبو داود الطيالسي وأحمد والدار قطني والبيهقي.

ومداره على عاصم بن عبيدالله، وهو ضعيف بإجماع لسوء حفظه وتغفيله وكثرة وهمه وفحش خطئه.

ولكن لا يرد على المستدل بهذا الحديث أنه أصل بحديث ضعيف، لأن دليله شاهد لأصل الأحاديث في سنية السواك، والشهادة للأصل ترفع احتمال سوء حفظ المضعَّف.

وهكذا يستدل بحديث: " من خير خصال الصائم السواك " رواه ابن ماجه، وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو سيء الحفظ، ولكنه شاهد لأصل.

فهذان حديثان يتم دليل مستحب السواك في الصيام بدونهما، ولكنهما يزيدان دليل المستدل قوة لا في تأسيس الحكم بل في دفع المعارض لأنهما نص عيني في موضوع الدعوى ولأن من كرهوا السواك للصائم بعد الزوال احتجوا بحديث: " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي " رواه البيهقي والدار قطني والطبراني في الكبير، رواه بعضهم موقوفا ورواه بعضهم مرفوعا وهو ضعيف الإسناد لا يقاوم حديث عاصم ومجالد في خصوص الدعوى وهما أرجح منه، ولا يقاوم الأصول الصحيحة القطعية في عموم الدعوى.

وإنما كره السواك آخر النهار أحمد في إحدى الروايتين وإسحاق.

وأختار شيخ الإسلام ابن تيمية مذهب الجمهور وهو أنه لا بأس به في الصيام بإطلاق.

قال أبو عبدالرحمن: والمحقق أنه مستحب شديد التأكيد في الصيام بإطلاق، وليس مجرد جائز، لأن الأصل الشرعي تأكيده فلا نزول عن الأصل إلا بدليل ولا دليل.

وإنما استدل من كرهه آخر النهار بأن السواك إنما استحب لإزالة رائحة الفم وقدصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ".

وإزالة المستطاب مكروهة كما في المغني.

قال أبو عبدالرحمن: حديث " لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " لا يرد على الأصل في عموم سنية السواك، لأنه ليس فيه أن فم الصائم بالخلوف أطيب عند الله من ريحه بلا خلوف.

بل ريحه بلا خلوف أطيب من باب أولى، فإذا وجد الخلوف فهو أطيب من ريح المسك تكرمة للصائم.

وإزالة الخلوف ـ وأن كان هاهنا مستطابا ـ ليست مكروهة، لأنها انتقال من مستطاب إلى أطيب وهذا ما أجاب به معاذ بن جبل رضي الله عنه كما روى ذلك الطبراني بإسناد جيد.

قال: عن عبدالرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل: أتسوك وأنا صائم؟ قال: نعم، قلت: أي النهار؟ قال: غدوة أو عشية.

قلت: أن الناس يكرهونه عشية ويقولون: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؟ قال: سبحان الله لقد أمرهم بالسواك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً، ما في ذلك من الخير شيء بل فيه شر ".

قال أبو عبدالرحمن: ومن كره السواك للصائم آخر النهار لحديث الخلوف فمعنى ذلك أنه خصص عموم الندب وصرفه إلى خصوص الكراهة في الصيام.

ومن أبقى السنية على عمومها فقد عمل بجميع النصوص كاملة ولم يفرض عليه تواردا.

وكتبه لكم أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري ـ عفا الله عنه

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير