[الخشوع في الصلاة وطرق تحصيلة]
ـ[أبو المنهال الأبيضي]ــــــــ[14 - 10 - 05, 02:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اقتدى بهداه.
أما بعد،،،
" فاعلم أن للصلاة أركاناً وواجبات وسنناً، وروحها النية ةالإخلاص والخشوع وحضور القلب؛ فإن الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال، ومع دعم حضورالقلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة؛ لأن الناطق إذا لم يعرب عما في الضمير كان منزلة الهذيان، وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال؛ لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، من الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً؛ لم يحصل المقصود؛ فإن الفعل متى خرج عن مقصوده بقي صورة لا اعتبار بها، قال الله –تعالى-: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37]، والمقصود: أن الواصل إلى الله -سبحانه وتعالى- هو الوصف الذي استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلابد من حضور القلب في الصلاة، ولكن سامح الشارع في غفلة تطرأ؛ لأن حضور القلب في أولها ينسحب على باقيها " (1).
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " من صلى سجدتين لا يسهو فيهما؛ غفر له ما تقدم من ذنبه " (2).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: " ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله " (3).
وقال أبوهريرة: " الصلاة قربان، إنما مثل الصلاة كمثل رجل أراد من إمام حاجة، فأهدى له هدية، إذا قام الرجل إلى الصلاة فإنه في مقام عظيم واقف فيه على الله يناجيه ويرضاه قائماً بين يدي الرحمن، يسمع لقيله، ويرى عمله، ويعلم ما يوسوس به نفسه، فليقبل على الله بقلبه وجسده، ثم ليرم ببصره قصد وجهه خاشعاً، أو ليخفضه؛ فهو أقل لسهوه، ولا يلتفت ولا يحرك شيئاً بيده ولا برجليه ولا شيئاً من جوارحه حتى يفرغ من صلاته، وليبشر من فعل هذا، ولا قوة إلا بالله " (4).
* * * * *
وهكذا كان هدي السلف، ودونك بعض أحوالهم:
- قال سهل بن سعد الساعدي: " كان أبوبكر لا يلتفت في صلاته " (5).
- وقال الأعمش: " كان عبد الله -يعني: ابن مسعود- إذا صلى كأنه ثوب ملقى " (6).
- وقال مجاهد: " كان عبد الله بن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وكان يقول: ذلك من الخشوع في الصلاة " (8).
- وقال عمرو بن دينار: " كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصب تُوبُه (8) فما يلتفت -يعني: لما حاصروه- " (9).
- وعن عمر بن قيس، عن أمه: " أنها دخلت على ابن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية! ثم رموها، فما قطع صلاته " (10).
- وقال ثابت البناني: " كنت أمر بابن الزبير وهو يصلي خلف المقام كأنه خشبة منصوبة، لا يتحرك " (11).
- وعن يحيى بن وثاب: " أن ابن الزبير كان إذا سجد وقعت العصافير على ظهره تصعد وتنزل لا تراه إلا جذْم حائط " (12).
- وقال أبونوح الأنصاري: " وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا ابن رسول الله! النار، يا ابن رسول الله! النار.
فما رفع رأسه حتى طفئت، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ قال: " ألهاني عنها النار الأخرى " (13).
- وقال عبد الله بن أبي سليمان،: " كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له: ما لك؟ فقال: " تدرون بين يدي من أقوم، ومن أناجي؟ " (14).
- وقال الحسن البصري: سمعهم عامر بن عبد قيس وما يذكرونه من أمر الضيعة في الصلاة، فقال: اتجدونه؟
قالوا: نعم.
قال: " والله! لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن يكون هذا مني في صلاتي " (15).
- وقال يحيى بن معين: " كان المعلى بن منصور الرازي يوماً يصلي، فوقع على رأسه كور الزنابير، فما التفت ولا انفتل حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا؛ من شدة الانتفاخ " (16).
- وقال الأعمش: " كان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه جذْم حائط، ينزل على ظهره العصافير " (17).
¥