[إجابة الشيخ محمد الشنقيطي حفظه الله عن ليلة القدر.]
ـ[المسيطير]ــــــــ[24 - 10 - 05, 12:54 ص]ـ
س19: تواترت الأدلة والنصوص في الكتاب والسنة في فضل ليلة القدر، وأنها في العشر الأواخر، فما هي أرجى ليلة تكون فيها. وجزاكم الله كل خير؟
بالنسبة لليلة القدر ثبتت النصوص في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجمع المسلمون على شرفها وفضلها.
هي ليلة القدر من الشرف، القدر أصله: الشرف والمنزلة، فلان له قدر يعني إذا كانت له منزلة وشرف.
وصفت بذلك؛ لعظيم شرفها وفضلها، ولعِظم شرفها وفضلها أنزل الله فيها أفضل كتبه، ونبّأ فيها أفضل رسله - صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين -؛ فقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}، ولما أورد هذا السؤال؛ أورده تعظيما لها وتشريفا، فإذا ورد الشيء بصيغة السؤال والاستفهام إشارة إلى علو مكانته، وعِظم شرفه، وهي كذلك، وقيل: ليلة القدر؛ لأنه تقدّر فيها الأشياء، وتكتب فيها المقادير، في صحف الملائكة، وينسخون المقادير من العام إلى العام، كما بيّنت ذلك النصوص؛ كما قال تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} على القراءة على الوجه الأول من كل أمر أي ما فيها من أوامر للعام القادم فيكتب فيها، سعادة السعداء، وشقاء الأشقياء، والأقوال والأعمال، والأعمار، فتنسخ بإذن الله - تعالى -.
قيل: ليلة القدر من القَدْر، وهو التضييق، قال تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} يعني ضيّق في حِلق السرد، وهذا أصله يعني في لغة العرب: القدر والتضييق، وهو معروف في لسان العرب، كما قال تعالى: {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} يعني يوسّع ويضيّق، {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} يعني ضُيّق عليه، قالوا: وصفت ليلة القدر بالتضييق؛ لأن الأرض تضيق من كثرة الملائكة التي تتنزل فيها، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}.
والبيت المعمور يطوف به في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه أبدا، من أنت إذا سبحت وحمدت أمام هؤلاء الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون؟! ما أغفل الناس عن الله! وما أجهلهم بقدر الله - عز وجل -! من كثرة نزول الملائكة تضيق الأرض، ولذلك الملائكة إذا تنّزلت نزلت السكينة، ومن هنا كان من علامات ليلة القدر أنه لا يرمى فيها بشهاب؛ لأن الشياطين لا يجدون مجالا لكي يركب بعضهم على بعض، فمن أماراته أنه لا يرمى فيها بشهاب، والشياطين تفر من الملائكة، {إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ}.
قال ابن عباس: رأى جبريل والملائكة ففر عدو الله ونكص على عقبيه.
وليلة القدر ليلة عظيمة، أعطاه الله - تعالى - لهذه الأمة، فسبقت من قبلها، ونالت بهذا فضلا عظيما، ولذلك جبر بها كسر هذه في نقص الأعمار، فأعمار أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ما بين الستين إلى السبعين، وجبر الله هذا النقص مع أن الأمم قبلنا أعطوا طول الأعمار، ولكن أعطيت هذه الأمة بفضل الله - تعالى - قصر العمر مع الزيادة في الأجر في العمل.
فقيام هذه الليلة إيمانا واحتسابا ليس كألف شهر، بل أفضل من ألف شهر، قيل: صياما وقياما. وهذا مذهب بعض السلف: أن الفضل في ليلة القدر شامل لليل والنهار، وهو اختيار الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله – وطائفة من السلف.
ومن هنا قالوا: أعطي فيها هذا الفضل خير من ألف شهر، أي عبادة أكثر من أربع وثمانين سنة، وهذا فضل عظيم، يناله الإنسان في ليلة واحدة، فهذه الليلة ثبت فضلها في كتاب الله وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال صلى الله عليه وسلم: ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)).
فهي الليلة التي يقومها القائمون، فإذا أصبحوا غفرت ذنوبهم فرجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم.
((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا)): إيمانا بالله، واحتسابا للثواب عند الله - تعالى -، يحتسب الأجر والمثوبة عند الله - تعالى -.
¥