تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ما مراد الإمام البخاري رحمه الله تعالى من هذا التبويب؟]

ـ[همام بن همام]ــــــــ[15 - 10 - 05, 09:38 ص]ـ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:

[ما مراد الإمام البخاري رحمه الله تعالى من هذا التبويب؟]

هذا السؤال أصبح يتردد في نفسي حين قرأت كلاماً للحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري كان قد نقله الشيخ الفقيه حفظه الله في مشاركة له.

ولتتضح الصورة لدى القارئ الكريم أنقل تبويب البخاري والحديث الذي ساقه تحته، وتعليق ابن رجب عليه.

قال البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه:

باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله). وأن المعرفة فعل القلب.

لقول الله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: 225].

20 - حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال بما يطيقون، قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: (إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا).

فعلق الحافظ ابن رجب رحمه الله على تبويب البخاري ما نصه:

" مراده بهذا التبويب: أن المعرفة بالقلب التي هي أصل الإيمان فعل للعبد وكسب له، واستدل بقوله تعالى ? بِمَاكَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ? [البقرة: 225] فجعل للقلوب كسبا كما جعل للجوارح الظاهرة كسبا.

والمعرفة مركبة من تصور وتصديق، فهي تتضمن علما وعملا وهو تصديق القلب، فإن التصور قد يشترك فيه المؤمن والكافر، والتصديق يختص به المؤمن، فهو عمل قلبه وكسبه" انتهى.

محصل كلام ابن رجب رحمه الله أن المعرفة هي أصل الإيمان وأنها تتضمن علما وعملا، ولاحظ أنه قال بعدها "وهو تصديق القلب" أي مجموع هذا التضمن من العلم والعمل هو تصديق القلب، وهذا على قول من يقول من أهل السنة: إن الإيمان بمعنى التصديق، ويقصدون به التصديق المتضمن للاستجابة، فيكون معنى التصديق ما تضمن القول والعمل.

فالخلاصة أن المعرفة بالقلب تتضمن قول القلب وعمله، وهذا المعنى هو ما أشار إليه البخاري رحمه الله بقوله: "وأن المعرفة فعل القلب" فإن الفعل يطلق على القول والعمل، وهذا الأمر مستقر عند البخاري، ودليل ذلك ما قاله رحمه الله في كتابه خلق أفعال العباد بعد حديث جبريل المشهور: " فسمى الإيمان والإسلام والشهادة والإحسان والصلاة بقراءتها وما فيها من حركات الركوع والسجود فعلا للعبد وقال شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم". فأطلق رحمه الله على القراءة وهي قول أنها فعل، وعلى الركوع والسجود وهما عمل أنهما فعل.

أما مناسبة الآية لما سبق فتزداد وضوحاً بمعرفة معنى الكسب في الآية.

وقد بين ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه شفاء العليل فقال: "فكسب القلب المقابل للغو اليمين هو عقده وعزمه". ومعلوم أن عقد القلب وعزمه هما قوله وعمله، فانتظمت المناسبة.

بقي أن يقال قبل الجواب عن سؤالي: إن كلام ابن رجب رحمه الله في مراد البخاري من التبويب يدور حول تضمن المعرفة لقول القلب وعمله خلافاً لقول الجهمية إن الإيمان مجرد المعرفة.

فنعود الآن إلى السؤال بصيغة أخرى: هل هذا هو مراد البخاري رحمه الله من تبويبه فقط؟ أم أن هناك مراداً أوسع من هذا؟!

العبد الضعيف يزعم أن مراد البخاري رحمه الله أوسع من هذا، وأنه أراد الرد على قول الجهمية كله في الإيمان.

بيان ذلك ما قاله وكيع بن الجرَّاح رحمه الله: " القدرية يقولون: الأمر مستقبل، وأن الله لم يقدر الكتابة والأعمال، والمرجئة يقولون: القول يجزئ من العمل، والجهمية يقولون: المعرفة تجزئ من القول والعمل." ومعلوم أن السلف يطلقون القول والعمل ويريدون بهما قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح. فتحصل من هذا أن الجهمية كما أنهم خالفوا في قول القلب وعمله كذلك خالفوا في قول اللسان وعمل الجوارح؛ فأراد البخاري رحمه الله أن يرد عليهم في هذا كله، خصوصاً إن استحضرت كلام البخاري رحمه الله كما في السير للذهبي حيث قال: " فلما طعنت في ست عشرة سنة كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء". فمن هذا حاله لابد أن يتأثر بكلام وكيع حتى في تأليفه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير