ـ يؤخذ من هذه النصوص ما يلي:
أ ـ أنَّ لعن المسلم الذي لم يجترح إثماً ظاهراً ذنبٌ عظيم.
ب ـ أنَّ لعن المسلم المصون جريمةٌ مثل جريمة قتله.
جـ ـ أنَّ لعن المسلم المصون كبيرةٌ من كبائر الذنوب (13)
وقد نقل الإجماع على تحريم لعن المؤمن المصون العديد من العلماء:
فقد قال النووي: «اعلم أنَّ لعن المسلم المصون حرامٌ بإجماع العلماء». (14)
وقال ابن تيمية: «الإجماع منعقدٌ على تحريم لعنة المعيَّن من أهل الفضل» (15)
المطلب الرابع
حكم لعن الفاسق غير المعيَّن
جاء النصوص الكثيرة بجواز لعن الفاسق غير المعين بالشخص ممن اتصف بأوصاف مذمومة شرعاً كالكفر والظلم والكذب وغيرها من المحرّمات الثابتة الحرمة، وهذه بعض النصوص في ذلك:
1 ـ قوله تعالى: {فلعنة الله على الكافرين} [البقرة: 89].
2 ـ قوله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18].
3 ـ قوله تعالى: {ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} [آل عمران: 31].
وغيرها عشرات الآيات في القرآن الكريم بهذا الخصوص، أما من السنَّة؛ فقد جاءت أيضاً أحاديث كثيرة تبيّن جواز لعن من اتّصف بشيء من صفات الفسق، ومنها:
1 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواصِلةَ، والمُسْتَوْصِلة، والوَاشِمَةَ، والمُستوشمةَ» (16)
2 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده (17)
3 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مَثَّل بالحيوان» (18)
4 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال» (19)
5 ـ وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا وموكله، وشاهديه، وكاتبه، هم فيه سواء» (20)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى مُحْدِثاً، ولعن الله من لعن والديه، ولعن الله من غيَّر منار الأرض» (21)
وغيرهما من جملة كثيرة من الأحاديث التي ورد فيها لعن مقترفي الآثام العظيمة بعموم الوصف لا بخصوص الشخص، وقد زادت هذه الأوصاف على الثمانين (22)
ويأخذ من هذه النصوص الأحكام التالية:
أ ـ أفادت الآيات جواز لعن غير المعيَّن بالشخص، وإنما من عين بالوصف سواء كان من الكفار أم من غيرهم (23)
ب ـ في الأحاديث جواز لعن العصاة من المسلمين لا على التعيين (24).
ولتفصيل هذا الإجمال نترك المجال للإمام الغزالي حيث أجاد في الحكم وأفاد:
يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «والصفات المقتضية للعن ثلاثة: الكفر والبدعة والفسق؛ واللعن في كل واحدة ثلاث مراتب:
الأولى: اللعن بالوصف الأعم؛ كقولك: لعنة الله على الكافرين والمبتدعين والفسقة.
الثانية: اللعن بأوصاف أخصّ منه؛ كقولك: لعنة الله على اليهود والنصارى والمجوس، وعلى القدرية والخوارج والروافض، أو على الزناة والظلمة وأكَلَة الربا.
وكل ذلك جائز.
ولكن في لعن أوصاف المبتدعة خطرٌ، لأنَّ معرفة البدعة غامضة ولم يرد فيه لفظ مأثور، فينبغي أن يمنع منه العوام، لأنَّ ذلك يستدعي المعارضة بمثله ويثير نزاعاً بين الناس وفساداً.
الثالثة: اللعن للشخص المعين، وهذا فيه نظر». (25)
جـ ـ ما تقدَّم من جواز لعن العصاة غير المعينين لم يختلف فيه العلماء، وقد نقل الهيثمي الإجماع عليه حيث قال: «أما لعن غير المعين بالشخص، وإنّما عُيِّن بالوصف بنحو لعن الله الكاذبَ فجائزٌ إجماعاً». (26)
وسبقه ابن العربي المالكي في نقل الإجماع فقال: «وأما لعن العاصي مطلقاً؛ فيجوز إجماعاً» (27).
المطلب الخامس
حكم لعن الفاسق المعين
وهي النقطة المخصوصة بالبحث، وقد اختلف فيها العلماء إلى فريقين، هذا عرضٌ لتفاصيل آرائهم فيها:
الفريق الأول:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز لعن الفاسق المعين، وهذه بعض نصوصهم:
جاء في «حاشية ابن عابدين»: «لم تجز ـ اللعنة ـ على معين لم يعلم موته على الكفر بدليل، وإن كان فاسقاً متهوّراً». (28)
وفي «أحكام القرآن» لابن العربي: «فأما العاصي المعين فلا يجوز لعنه اتفاقاً» (29).
¥