أما إذا كان الأمر يتعلق بالعمولة المصرفية، فهي جائزة على أساس أنها أجر، ما لم يتكرر استيفاء العمولة لكل عام أو شهر دون أن يتكرر العبء على المصرف، أي الخدمة المقابلة لها، فلا يؤخذ الأجر كل شهر أوكل عام، بل يستوفى عند إبرام العقد، ولا يعاد استيفاؤء مرة أخرى إلا إذا نظم عقد جديد أو جرت عملية جديدة.
وقد انتهت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي المصري في اجتماعها المنعقد في الرابع من رجب 1398هـ الموافق 10 يونيو 1978 م إلى أنه لا يجوز للبنك التعامل في كمبيالات الخصم، سواء كانت كمبيالات حقيقية أو وهمية، نظرا لأن فيها معنى الربا، وتحظى هذه النظرية بتأييد جمهور الباحثين، وهذا نص الفتوى:
السؤال رقم: 249: «الرجاء إبداء الرأي الشرعي حول خصم البنك للكمبيالات: وتنقسم إلى قسمين: كمبيالات حقيقية، وكمبيالات مجاملة وهمية، والبنوك الربوية تقوم بعملية الخصم لعملائها الممتازين لتوفير السيولة لهم أو لسداد حساباتهم الجارية المدينة بعد التأكد والتوثق من المدينين في الكمبيالات.
وطريقة الخصم هي: أن يخصم البنك فائدة مقدرة على قيمة الكمبيالة ومدة أجلها ثم يدفع إلى عميله أو يقيد لحساب عميله صافي قيمة الكمبيالة فقط، وفي حالة عدم سداد المدين لقيمة الكمبيالة التي أصبحت ملكا للبنك بعد خصمها، يعود البنك فيقيد قيمة الكمبيالة بالكامل على حساب عميله.
الجواب: وتنقسم كمبيالات التحصيل كلاسيك كمبيالات حقيقية وكمبيالات مجاملة وهمية، وتقوم البنوك الربوية في الخصم لعملائها الممتازين لتوفير السيولة لهم أو لسداد حساباتهم الجارية المدينة، وترى الهيئة عدم جواز تعامل البنك الإسلامي في هذه الكمبيالات بشقيها نظرا لأن فيها معنى الربا».
وأسوق هنا من أجل إبراز الحكم الشرعي في عملية الحسم، مقتطفا من قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي جاء فيه: «إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعا، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم».
ونقرأ الحكم الشرعي نفسه في إحدى فتاوى دلة البركة، ونص الفتوى:
» السؤال: ما هو الرأي فيما هو معروف بشراء وبيع أوراق القبول التجارية، حيث إن ورقة القبول التجارية هي ورقة مؤجلة الدفع، ويكون المستفيد من الورقة أي مالكها الحامل لها راغبا في قبض قيمة هذه الورقة المؤجلة الدفع قبل حلول موعد الاستحقاق على أساس حسم نسبة مئوية من القيمة مقابل الزمن المتبقي؟.
الجواب: هذه الصورة المعروضة تتضمن بيع دين آجل بنقد عاجل أقل، وهذا البيع من الربا المحرم شأنه في ذلك شأن الخصم في الكمبيالات التجارية «
وهل من الممكن أن تنقلب عملية الحسم هذه إلى الصحة إذا أزيل السبب الذي منعت من أجله؟ فإذا نظرنا إلى الوصف الذي أنيط به تحريم هذه المعاملة وهو الزيادة أو الفائدة التي يقتطعها البنك لنفسه من قيمة الورقة التجارية عند الجمهور، فإن العملية محرمة لا تصح، لأنها قرض بفائدة، ولا تصح أيضا إذا اعتبرناها من قبيل بيع الدين لغير المدين، لوجود التفاضل في أحد العوضين وهما من جنس واحد، وهو علة الربا عند الشافعية، وأحد وصفيها عند الأحناف، ولا تصح حوالة للتفاضل وعدم التساوي بين الدينين، وهي فاسدة كذلك لصحتها بالأصل وفسادها بالوصف المقارن. فهذه المعاملة عندهم باطلة، حتى وإن زال الوصف الذي تسبب في بطلان المعاملة، ولا تئول إلى الصحة حسب تخريجها على رأي الجمهور.
أما إذا تم تخريجها على رأي جمهور الباحثين المعاصرين، فإن المعاملة تعود إلى الصحة إذا زال الوصف المفسد وهو الزيادة في أحد العوضين، لأن «حسم الأوراق التجارية كالقرض – كما يقول الدكتور سامي حمود – سواء كان عاديا أم باعتماد جار – كلها من الأمور المقبولة في نظر الفقه الإسلامي من حيث المبدأ، ولكن ما يرد عليه هو الكسب الربوي الذي يتقاضاه المصرف المقرض»، وفي اقتراح آخر فإن المصارف تستطيع إحلال أي من الأمرين التاليين محل التعامل بالخصم، وهو القرض بدون فائدة للعملاء الذين يرغب المصرف في معونتهم، والمشاركة أو المضاربة لتوفير الأموال ا لتي ييسرها الخصم.