ومهما تكن المؤهلات الرسمية، فجمهور المسلمين هو الحكم، وهم أصحاب الشأن في تمييز الذي هو أعلم وأقوم، وليس في الدين كنيسة أو سلطة رسمية تحتكر الفتوى " ويقول أيضاً: " وتقدير أهلية الاجتهاد مسألة نسبية وإضافية، ولكن بعض الكتاب المتنطعين في الضبط يتوهمون أنها درجة معينة تميز طبقة المجتهدين من عامة الفقهاء " هكذا بكل بساطة، أهلية الاجتهاد جملة مرنة، والحكم فيها إلى عامة الناس! متى كان هذا؟ في أي علم من العلوم أو الفنون الأخرى؟ أيجوز أن تكون كلمة " عالم بالقوانين والدساتير " كلمة مرنة، والحكم فيها لعامة الناس وجمهورهم؟ أيجوز أن تكون كلمة " عالم كبير، أو خبير بالطب وجراحة القلب " كلمة مرنة، والحكم فيها للجمهور؟ .. وهكذا في جميع العلوم والفنون. فإذا كان لا يجوز ذلك في العلوم والفنون الأخرى، فلم يجوز في العلوم الشرعية وحدها، ويسمح أن يدعيها كل دعي ويمتطي صهوتها كل غبي؟!
(- أبرز الأصول التي دعا الدكتور الترابي إلى تجديدها:
إن من أبرز الأمور التي دعا الدكتور الترابي إلى تجديدها في علم أصول الفقه الإسلامي ما يلي:
1 - الإجماع
2 - أمر الحاكم
3 - القياس
4 - الاستصحاب
1 - أما الإجماع: فقد نحا الدكتور الترابي في تجديده نحواً لم يسمع به أحد من المسلمين، ولم يخطر ببال عالم من علماء المسلمين القدامى أو المعاصرين!! وكل من يقرأ تصويره للإجماع الجديد الذي يقترحه، لا يتردد لحظة أنه الاستفتاء أو التصويت من قبل عامة الناس على أمر من الأمور الذي تطرحها الدولة في الأنظمة الغربية على الناس ليأخذوا رأيهم.
يقول الترابي: " فإذن يمكن أن نحتكم إلى الرأي العام المسلم، ونطمئن إلى سلامة فطرة المسلمين، حتى ولو كانوا جهالا في أن يضبطوا مدى الاختلاف ومجال التفرق "
ويقول أيضاً: " .. ويدور بين الناس الجدل والنقاش حتى ينتهي في آخر الأمر إلى حسم القضية، إما أن يتبلور رأي عام، أو قرار يجمع عليه المسلمون، أو يرجحه جمهورهم وسوادهم الأعظم " هكذا صار الإجماع ـ بعد تطويره وتجديده ـ عند الدكتور الترابي، جدلاً ونقاشاً بين الناس ـ كل الناس ـ وتصويتا في نهاية الأمر، فما صوت له جمهورهم وسوادهم الأعظم كان حكماً لا زماً ينزل عليه كل المسلمين!
سبحان الله! متى كان عامة الناس يرجع إليهم في الأمور العلمية الدقيقة التي تحتاج إلى بحث؟ وهل جدل العامة ونقاشهم مبني على أصول علمية، أم هو لغط وسفسطة، كل يتكلم كما يحلو له؟ أليست هذه غوغائية؟ أليست هذه الطريقة التي اكتوينا بنارها من بعض الحكام والدكتاتوريين الظالمين؟ فإنه كلما أرادوا شيئاً أتوا بمشروع، وطرحوه للتصويت عليه من قبل عامة الناس، أو الشعب، ليأخذوا عليه الموافقة، ثم يصبح قانوناً ملزماً).
(2 - وأما أمر الحاكم ـ أو ولي الأمر ـ فقد اهتم به الترابي كثيراً، وأولاه من العناية ما يلفت النظر، وتهجم على الفقهاء والأصوليين القدامى بحجة أنهم أغفلوا حق الحاكم في التشريع وإصدار الأحكام، ودعا بإصرار إلى إعادة هذا الحق إليه)
(3 - وأما القياس، فإن الدكتور الترابي لا يريد به قياس الفقهاء والأصوليين الذي له ضوابط وشروط، وإنما يريد قياساً حراً فطرياً عفوياً، ليس له أية ضوابط أو قيود، لأن هذه الضوابط والقيود ـ في زعمه ـ من وضع مناطقه الإغريق، ثم اقتبسها عنهم الفقهاء).
(4 - وأما الاستصحاب، فإنه وان كان لا يأخذ به فقهاء المسلمين، ولا يعتبرونه أصلا ً من الأصول يبنون عليه الأحكام الفقهيه، إلا أن الدكتور الترابي يعتبره أصلاً مهماً، لكن لا يريده استصحاباً عادياً، وإنما يريده " استصحابا واسعا " فيقول: تحت عنوان " الاستصحاب الواسع ": " وإذا جمعنا أصل الاستصحاب مع أصل المصالح المرسلة تتهيأ لنا أصول واسعة لفقه الحياة العامة في الإسلام ". فالدكتور الترابي يركز على التوسع في مفهوم الأصول التي أصلها العلماء والأئمة الأقدمون، ويصر على تسمية كل أصل بذلك. فيقول: " الاستصحاب الواسع " و" القياس الواسع " و" الأصول الواسعة ". وهكذا
¥