تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو عبد الله الساحلي]ــــــــ[18 - 04 - 06, 07:16 م]ـ

1 - ومن هنا يظهر الضابط في نهيه صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء وعن تشبه النساء بالرجال وأن الأصل في ذلك ليس هو راجعا إلى مجرد ما يختاره الرجال والنساء ويشتهونه ويعتادونه فإنه لو كان كذلك لكان إذا اصطلح قوم على أن يلبس الرجال الخمر التي تغطي الرأس والوجه والعنق والجلابيب التي تسدل من فوق الرءوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان وأن تلبس النساء العمائم والأقبية المختصرة ونحو ذلك أن يكون هذا سائغا. وهذا خلاف النص والإجماع. فإن الله تعالى قال للنساء: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} الآية وقال: {قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين} الآية. وقال: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}. فلو كان اللباس الفارق بين الرجال والنساء مستنده مجرد ما يعتاده النساء أو الرجال باختيارهم وشهوتهم لم يجب أن يدنين عليهن الجلابيب ولا أن يضربن بالخمر على الجيوب ولم يحرم عليهن التبرج تبرج الجاهلية الأولى؛ لأن ذلك كان عادة لأولئك.

2 - وليس الضابط في ذلك لباسا معينا من جهة نص النبي صلى الله عليه وسلم أو من جهة عادة الرجال والنساء على عهده بحيث يقال: إن ذلك هو الواجب وغيره يحرم. فإن النساء على عهده كن يلبسن ثيابا طويلات الذيل. بحيث ينجر خلف المرأة إذا خرجت والرجل مأمور بأن يشمر ذيله حتى لا يبلغ الكعبين؛ ولهذا لما {نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن إسبال الإزار وقيل له: فالنساء؟ قال: يرخين شبرا قيل له: إذن تنكشف سوقهن قال: ذراعا لا يزدن عليه} قال الترمذي حديث صحيح. حتى إنه لأجل ذلك روي أنه رخص للمرأة إذا جرت ذيلها على مكان قذر ثم مرت به على مكان طيب أنه يطهر بذلك وذلك قول طائفة من أهل العلم في مذهب أحمد وغيره جعل المجرور بمنزلة النعل الذي يكثر ملاقاته النجاسة فيطهر بالجامد كما يطهر السبيلان بالجامد لما تكرر ملاقاتهما النجاسة.

3 - ثم إن هذا ليس معينا للستر فلو لبست المرأة سراويل أو خفا واسعا صلبا كالموق وتدلى فوقه الجلباب بحيث لا يظهر حجم القدم لكان هذا محصلا للمقصود بخلاف الخف اللين الذي يبدي حجم القدم؛ فإن هذا من لباس الرجال. وكذلك المرأة لو لبست جبة وفروة لحاجتها إلى ذلك إلى دفع البرد لم تنه عن ذلك. فلو قال قائل: لم يكن النساء يلبسن الفراء قلنا: فإن ذلك يتعلق بالحاجة فالبلاد الباردة يحتاج فيها إلى غلظ الكسوة وكونها مدفئة وإن لم يحتج إلى ذلك في البلاد الحارة.

4 - فالفارق بين لباس الرجال والنساء يعود إلى ما يصلح للرجال وما يصلح للنساء. وهو ما يناسب ما يؤمر به الرجال وما تؤمر به النساء. فالنساء مأمورات بالاستتار والاحتجاب دون التبرج والظهور؛ ولهذا لم يشرع لها رفع الصوت في الأذان ولا التلبية ولا الصعود إلى الصفا والمروة ولا التجرد في الإحرام. يتجرد الرجل. فإن الرجل مأمور أن يكشف رأسه وأن لا يلبس الثياب المعتادة وهي التي تصنع على قدر أعضائه فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا الخف لكن لما كان محتاجا إلى ما يستر العورة ويمشي فيه رخص له في آخر الأمر إذا لم يجد إزارا أن يلبس سراويل وإذا لم يجد نعلين أن يلبس خفين. وجعل ذلك بدلا للحاجة العامة بخلاف ما يحتاج إليه حاجة خاصة لمرض أو برد فإن عليه الفدية إذا لبسه ولهذا طرد أبو حنيفة هذا القياس وخالفه الأكثرون للحديث الصحيح. ولأجل الفرق بين هذا وهذا. وأما المرأة فإنها لم تنه عن شيء من اللباس؛ لأنها مأمورة بالاستتار والاحتجاب فلا يشرع لها ضد ذلك لكن منعت أن تنتقب وأن تلبس القفازين؛ لأن ذلك لباس مصنوع على قدر العضو ولا حاجة بها إليه.

5 - إن مقصود الثياب تشبه مقصود المساكن والنساء مأمورات في هذا بما يسترهن ويحجبهن فإذا اختلف لباس الرجال والنساء عما كان أقرب إلى مقصود الاستتار والاحتجاب: كان للنساء وكان ضده للرجال.

وأصل هذا: أن تعلم أن الشارع له مقصودان:

أحدهما: الفرق بين الرجال والنساء.

والثاني: احتجاب النساء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير