هذا، ولا يُمنع أن يقوم المعلِّم بشرح الطاعات والعبادات العمليَّة، ولو لم يؤدها على أنها عبادة وقربة، وقد يستدعي منه هذا – مثلاً - أن لا يتجه للقبلة، أو أن يتكلم أثناء الركوع والسجود، موضِّحاً ومعلِّماً، وليس في ذلك ما يُنكر، ومثله من أراد أن يعلِّم الأذان، أو الخطابة.
وعليه: فلا مانع من قيام المعلِّم بتعليم الطلبة مناسك الحج عمليّاً في بعض أفعاله، كتعليمهم كيف يلبسون ملابس الإحرام، وأين يقفون في عرفة، وكيف يدفعون منها، وكيف يدعون في مزدلفة، وهكذا في باقي المناسك التي تحتاج إلى اطلاع على واقعها المكاني، ولا يشترط أن يكونوا محرمين حقيقة – بنزع كامل ملابسهم – ولا أن يتركوا محظورات الإحرام على الحقيقة، كما أنه قد يتم تعليم بعض المسلمين الصلاة بحركاتها العملية ولا يلزم أن يكونوا على وضوء، ولا باتجاه القبلة.
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
لي أطفال لم يتجاوز أكبرهم ثلاثة أعوام، يقفون خلفي أثناء صلاتي بالمنزل؛ وذلك لأعلمهم كيفية الصلاة، ويكون ذلك بدون وضوء منهم، فهل يجوز ذلك؟.
فأجاب:
"يجوز للإنسان أن يعلِّم أولاده الصلاة بالقول، وبالفعل، ولهذا لمَّا صنع المنبر للنبي صلى الله عليه وسلم صعد عليه، وجعل يصلي عليه، فإذا أراد السجود نزل وسجد على الأرض، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي)، وينبغي أيضاً أن يعلَّم هؤلاء الوضوء ما داموا يفقهون، ويفهمون، لكن الذين في السنِّ التي ذكرها السائل - وهو أن أكبرهم له ثلاث سنوات - لا أظنهم يعقلون كما ينبغي، والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر" انتهى." مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (13 / جواب السؤال رقم 644).
والأمر في الحج أوسع منه في الصلاة، فالصلاة لا يمكن أن يكون الإمام فيها إلا مصليّاً على الحقيقة – وهو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ومالك وعمرو – ولا يلزم ذلك من يقود الحجاج إلى المناسك، وهو ما يُسمَّى " المطوِّف "؛ فلا يلزمه أن يكون محرماً فضلا، وهو عندما يعلِّم هؤلاء ويدلهم على المناسك قد ينوي العبادة في الطواف، لكنه لا يستطيع أن ينويها في عرفة ومزدلفة وهو غير محرِم.
قال ابن رجب الحنبلي – شارحاً لحديث مالك بن الحويرث -:
ولا يصح حمل كلامه عَلَى ظاهره، وأنه لَمْ ينو الصلاة بالكلية بل كَانَ يقوم، ويقعد، ويركع ويسجد، وَهُوَ لا يريد الصلاة: فإن هَذَا لا يجوز، وإنما يجوز مثل ذَلِكَ فِي الحج، يجوز أن يكون الَّذِي يقف بالناس، ويدفع بهم غير محرم، ولا مريداً للحج بالكلية، لكنه يكره.
قَالَ أصحابنا وغيرهم من الفقهاء فِي " الأحكام السلطانية ": لأن الوقوف، والدفع يجوز للمحرم، وغيره، بخلاف القيام، والركوع، والسجود: فإنه لا يجوز إلا فِي الصلاة بشروطها.
" فتح الباري " لابن رجب (4/ 116).
والخلاصة:
أنه يجوز تعليم الأطفال والشباب مناسك الحج على واقعها المكاني بحقيقتها العملية.
ومن باب الفائدة: فقد منع كثير من أهل العلم صنع مجسَّم للكعبة يُطاف حوله للتعليم، وهذا ليس هو موضوع السؤال؛ لأن السؤال عن الذهاب لأماكن المناسك حقيقة، وليس تمثيلاً لها وتجسيماً لأماكنها.
والله أعلم
http://www.islam-qa.com/index.php?ref=111689&ln=ara