[المولد النبوي بين الاتباع والابتداع (د. كمال قالمي)]
ـ[فريد المرادي]ــــــــ[12 - 03 - 08, 09:53 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
’’ المولدُ النَّبويُّ بين الاتّباع والابْتداع ‘‘ للشيخ د. كمال قالمي الجزائري ـ حفظه المولى ـ
الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا، و من سيِّئات أعمالنا. من يهدِه الله فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له.
و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبدُه و رسوله، صلّى الله عليه و على آله و صحبه، و من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.
أمَّا بعد، فقد ابْتُلِيت الأمَّة الإسلامية منذ دهر طويل بأنواع كثيرة من البدع و المحدثات في الاعتقادات و الأعمال، و الأقوال و المناهج، كانت سببًا في تفرُّقها و ضعفها و تشتُّتها أحزابًا و شيعًا، قال الله ـ تعالى ـ: ? فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ? [المؤمنون: 53].
و قد تضافرتْ نصوصُ الكتاب و السنَّة و آثار سلف الأمَّة في النَّهي عن البدع و التَّحذير منها، من ذلك قوله ـ تعالى ـ: ? وَ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ? [الأنعام: 153]، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: خطَّ رسول الله خطًّا بيده، ثمَّ قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ مُسْتَقِيمًا»، قال: ثم خطَّ عن يمينه و شماله، ثم قال: «هَذِهِ السُّبُلُ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إلاَّ عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ»، ثم قرأ هذه الآية: ? وَ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ? [1].
قال الإمام ابنُ الماجشون ـ رحمه الله ـ: سمعت مالكًا يقول: «من ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنةً، فقد زعم أنَّ محمَّدًا خان الرِّسالة؛ لأن الله يقول: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ? [المائدة:3]؛ فما لم يكن يومئذ دينًا فلا يكون اليوم دينًا» [2].
و عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» [3].
و في رواية لمسلم: «مَنْ عَملَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «و هذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ من أصول الإسلام، و هو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنَّ حديث: «الأعمال بالنّيّات» ميزانٌ للأعمال في باطنها، فكما أنّ كلَّ عمل لا يُراد به وجه الله ـ تعالى ـ، فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلّ عمل لا يكون عليه أمرُ الله و رسوله، فهو مردود على عامله، و كلّ من أحدث في الدِّين ما لم يأذن به الله و رسوله، فليس من الدِّين في شيء» [4].
و عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ إذا خطب يقول: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَ خَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَ شَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» [5].
قال الحافظ ابن حجر العسقلانيُّ ـ رحمه الله ـ: «قوله: «كلَّ بدعة ضلالة» قاعدة شرعيَّة كليَّة بمنطوقها و مفهومها، أمَّا منطوقها فكأن يقال: حكم كذا بدعة، و كلُّ بدعة ضلالة، فلا تكن من الشَّرع؛ لأنّ الشَّرعَ كلَّه هدى، فإن ثبت أنَّ الحكم المذكور بدعة صحَّت المقدِّمتان، و أنتجتا المطلوب» اهـ[6].
و عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: «اتَّبِعُوا وَ لا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَ كُلُّ بدعة ضلالة» [7].
و الأحاديث و الآثار في هذا المعنى كثيرة، يطول المقام بذكرها.
و اعلم ـ أخي القارئ ـ أنَّ من جملة المحدثات التي افْتُتِنَ بها المسلمون ـ قديمًا و حديثًا ـ الاحتفال بالمولد النبويِّ و اتخاذه عيدًا يعود عليهم كلَّ سنة ليلة الثَّاني عشر من شهر ربيع الأوّل.
و الأدلة على بدعيَّة هذا العمل كثيرة نُجمل بعضها فيما يلي:
1 ـ أنَّه لم يرد في الكتاب و لا في السُّنَّة.
¥