[أصل التدبر ودلالاته]
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[09 - 03 - 08, 12:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
تقديم
الحمد لله الذي جعل ذِكرَنا في كتابه، وعلَّق فلاحَنا على اتباعه، والصلاة والسلام على خير من تدبره، وأعلى لواءه ونصره، وعلى آله الأنقياء، وصحابته الأتقياء، ومن سلك سبيلهم من الأوفياء.
وبعدُ، فإن ذكر التدبر ودلالاته خيرُ ما نُتِمُّ به حديثَنا السالف عن التفكر ومعانيه، إذ إن مجالاته شتى؛ لكن أشرفها وأرفعها على الإطلاق آي الكتاب المنزل، وما انبنى عليها، وتعلق بها من سائر المجالات، وإن أشرف المتفكرين وأعلاهم قدرًا من اتخذ آيات الكتاب لفكره مسارًا، وعلق تصوره بمراجعها السليمة، وقواعدها المتينة.
أصل التدبر ومعانيه في العربية
أصل التدبر من: دَبَرَ –بفتح الدال والباء-، وجُلُّه في قياس واحد، وهو: آخر الشيء، وخلفه؛ خلاف قُبُله [1] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn1).
ووجوه استعماله في العربية شتى؛ منها [2] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn2):
( ا) – الرجوع والتولي، يقال: دبر الرجل وأدبر؛ أي ولى وشيَّخ، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} [المدثر: 33]، أي تبع النهار قبله.
(ب) - الذهاب، ومنه: أمس الدابر والمدبر؛ أي الذاهب، قال الشاعر:
وَأَبي الذِي تَرَكَ الْمُلُوكَ وَجَمْعَهُمْ بِصُهَابِ هَامِدَةٍ كَأَمْسِ الدَّابِرِ [3]
ويقال: هيهات! .. ذهب فلان كما ذهب أمس الدابر، وهو الماضي لا يرجع أبدا.
(ج) – التحول، ومنه دبرت الريح؛ أي تحولت دَبورا – بفتح الدال -، قال الأعشى [4] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn4):
لَهَا زَجَلٌ كَحَفِيفِ الْحَصَا دِ صَادَفَ بِاللَّيْلِ رِيحًا دَبُورَا [5]
والريح الدبور: الريح التي تقابل الصَّبا والقَبول – بالفتح -، وهي ريح تهب من نحو المغرب، والصبا تقابلها من ناحية المشرق [6] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn6).
( د) – الاتباع من وراء، يقال: دبره يدبره دبورا – بضم الباء – تبعه من ورائه، ومنه دابر الشيء؛ أي آخره، وأصله، كما في قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45]؛ أي استؤصل آخرهم، قال الشاعر:
فِدًى لَكُمَا رِجْلَيَّ أُمِّي وَخَالَتِي غَدَاةَ الْكُلاَبِ إِذْ تُحَزُّ الدَّوَابِرُ [7]
أي يقتل القوم؛ فتذهب أصولهم، ولا يبقى لهم أثر، وهو كدُبُر الأمر ودُبْره – بضم عينه وتسكينها -.
قال الكميت:
أعَهْدَكَ مِنْ أُولَى الشَّبيبَةِ تَطْلُبُ عَلَى دُبُرٍ؟ هَيْهَاتَ شَأْوٌ مُغَرِّبُ [8]
ودابر العيش: آخره أيضا، قال الشاعر:
وَمَا عَرَّيْتُ ذَا الْحَيَّاتِ إِلاّ لِأَقْطَعَ دَابِرَ الْعَيْشِ الْحُبَابِ [9]
ودابر الرجل: عقبه، وتابعه يخلفه، ويجيء بعده، كما تقول: دبرني فلان، وخلفني أي جاء بعدي، ومنه قراءة من قرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا دَبَرَ} [10] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn10).
وأما التدبر فأصله: دبَّر – بالتشديد - الأمر، وتدبره: "نظر في عاقبته، واستدبره: رأى في عاقبته ما لم يره في صدره، وعرف الأمر تدبرا؛ أي بِأَخَرَة [11] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn11) " [12] (http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn12).
قال جرير:
وَلاَ تَتَّقُونَ الشَّرَّ حَتَّى يُصِيبَكُمْ وَلاَ تَعْرِفُونَ الأَمْرَ إِلاَّ تَدَبَّرَا [13]
والتدبر والتدبير سواء، ووجوه استعمالهما في العربية ثلاثة [14] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn14):
الأول: النظر إلى ما تؤول إليه عاقبة الأمر، والتفكر فيه، كما قال أكثم بن صيفي [15] ( http://www.alukah.net/Articles/Article.aspx?ArticleID=2100#_ftn15) لبنيه: يا بني لا تتدبروا أعجاز أمور قد ولت صدورها.
¥